بغداد | أطلق «الإطار التنسيقي» في العراق، مبادرةً جديدة لكسر الانسداد السياسي المستمرّ منذ الانتخابات التي أجريت قبل ستة أشهر، محاولاً مقاربة مطلب التحالف الثلاثي بتشكيل حكومة غالبية، وإنما ليست الغالبية الإقصائية التي سعى التحالف إلى تشكيلها، وفشل في مسعاه، لأنه لا يمتلك الوسائل الدستورية لفرضها، ولأن موازين القوى التي جرى تثبيتها محلياً وإقليمياً خلال تلك الفترة، لم تكن في مصلحة هذا التحالف. لكن المبادرة لا تعني، على أيّ حال، قرب التوصّل إلى حلّ، نظراً إلى ما تتضمّنه من تفاصيل يفترض أن يجري التوافق عليها، وفق بنودها، في إطار حوار وطني يشمل القوى السياسية المختلفة
يدخل العراق مرحلة جديدة من البحث عن حلول للأزمة السياسية التي يبدو أنها ستطول بسبب عدم تمكُّن أيٍّ من طرفَي الصراع من انتخاب رئيس للجمهورية، وهي الخطوة الضرورية لتكليف رئيس للحكومة من الكتلة الأكبر. وجاء طرح «الإطار التنسيقي» يوم العيد مبادرةً مركّبة للحلّ، ليعكس صعوبة التوصّل إلى الحلّ من دون تذليل عقد كثيرة تشير إلى تباعد الطرفين في المواقف. فالمبادرة المؤلّفة من تسع نقاط، ومثلها من الالتزامات التي يتعيّن على الحكومة المقبلة تنفيذها، تدعو إلى حوار وطني من دون شروط مسبقة بين كل القوى السياسية العراقية، لكي يتمّ الاتفاق على بنودها. إلّا أن من شأن هذه المبادرة، في حال القبول ببحث بنودها ضمن حوار وطني، وعدم رفضها من الأساس، أن تكسر الانسداد السياسي.
وتستهدف المبادرة، وفق ما يقول، لـ«الأخبار»، القيادي في «تحالف الفتح»، جبار المعموري، «إنهاء المناكفات التي بدأت منذ أشهر، من طريق توفير حلول لجميع المشكلات التي نشهدها، وعدم ترك عذر لأيّ كتلة برلمانية». من جهته، يشير القيادي في «ائتلاف دولة القانون»، فاضل موات، لـ«الأخبار»، إلى أن «الإطار تقدَّم بهذه المبادرة لقطع الطريق أمام كل محاولات التصعيد، وهي جاءت بناءً على تفاهمات سياسية حدثت مع بعض الكتل»، مضيفاً أن «هذه المبادرة تهدف إلى تشكيل الكتلة الشيعية الأكبر، فالمكون الشيعي يحتلّ 12 محافظة من أصل 18. لذلك، على التيار الصدري والإطار التنسيقي الجلوس إلى طاولة واحدة لتشكيل الكتلة الأكثر عدداً، لتضع مواصفات الشخص الذي سيُرشّح لمنصب رئيس الوزراء». ويلفت إلى أن هذه المبادرة «تختلف عن مبادرات الذين يتحدّثون عن غالبية سياسية، والتي من شأنها أن تضيّع حقوق المكوّن الشيعي من طريق ذهاب عدد من النواب مع المكوّنين السني والكردي ليصبحوا أقلية، بالتالي تضيع حقوق المحافظات المظلومة».
تقترح المبادرة على النواب المستقلّين تقديم مرشّح لرئاسة الوزراء


ما تهدف إليه المبادرة من دون أن تصرّح به، هو إعادة التفاوض على تشكيل الحكومة، وفق ما أفرزته الأشهر الستة الماضية منذ الانتخابات النيابية، من موازين قوى جديدة جرى تثبيتها محلياً وإقليمياً، وأظهرت استحالة تشكيل حكومة غالبية من قِبَل التحالف الثلاثي الذي يملك غالبية برلمانية بسيطة، لا تمكّنه من تحقيق نصاب لانتخاب رئيس للجمهورية، لكي يقوم بتكليف رئيس الحكومة من الكتلة الأكثر عدداً. لكن الجديد الذي تقدّمه المبادرة هو محاولة مقاربة مطلب التحالف الثلاثي الذي يضم «التيار الصدري» و«تحالف السيادة» و«الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بتشكيل حكومة غالبية يريد التحالف تشكيلها بحجّة تطبيق برنامج إصلاحات مستحيل تنفيذها في ظلّ الحكومات التوافقية، إذ تنص على ترك الخيار للقوى السياسية للمشاركة في الحكومة أو الانتقال إلى المعارضة، بما يكسر تقليد الحكومات التوافقية التي سادت خلال السنوات الماضية، لكنها في المقابل، ترفض الإقصاء الذي يؤدّي إلى تهميش جزء كبير من المكوّن الشيعي وربما الكردي أو عدد من النواب السنة والمستقلّين.
بالنسبة إلى المنصب الأهم والأكثر حساسيّة في العراق، أي منصب رئيس الوزراء، تدعو المبادرة إلى الحفاظ على حقّ المكوّن الأكبر مجتمعياً من خلال كتله المتحالفة لتكوين الكتلة الأكثر عدداً للاتفاق على ترشيح رئيس الوزراء المقبل، على أن تتحمّل القوى المشاركة في الحكومة من بين هذه القوى، مسؤولية فشله ونجاحه ومحاسبته، وأن تتعهّد كذلك بتوفير الدعم الكامل له وفق البرنامج الحكومي المقرّ. وتقترح على النواب المستقلّين تقديم مرشّح لرئاسة الوزراء لإدارة البلاد في هذه المرحلة الحسّاسة من عمر العراق، على أن يُدعم من قِبَل جميع الكتل الممثَّلة للمكوّن الأكبر والمشكِّلة للكتلة الأكثر عدداً، وفقاً لتفسير المحكمة الاتحادية للمادة 76 من الدستور.
ومن المفاهيم المستحدثة التي تتحدّث عنها المبادرة، مفهوم الغالبية الراغبة في المشاركة وكذلك المعارضة الراغبة بالمراقبة، على أن تمرّ جميع الرئاسات بمسار واحد وهو الغالبية الراغبة، مع الاتفاق على أن رفض أيّ مرشّح من المكونات الأخرى لا يعني تدخّلاً مع المكوّن، بل فسح المجال أمامه لتقديم خيارات أخرى. وتقترح المبادرة تسعة التزامات تقوم الحكومة الجديدة بتنفيذها إذا تمّ الاتفاق عليها خلال الحوار، أبرزها: تعديل قانون الانتخاب بحسب حكم المحكمة الاتحادية وتغيير كوادر المفوضية العليا للانتخابات التي اتهمها «الإطار التنسيقي» بالانحياز إلى الطرف الآخر خلال الانتخابات الأخيرة، وتنظيم العلاقة بين حكومة بغداد وحكومة إقليم كردستان وخباصة في ما يتعلّق بالنفط والغاز وإدراج قوات «البيشمركة» ضمن الإطار العام للقوات المسلحة، وتعهُّد جميع القوى السياسية برفض محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإعادة إعمار المناطق المحرَّرة من تنظيم «داعش» وحلّ مشكلة النازحين التي جاءت نتيجة الإرهاب، وإنشاء صندوق لدعم المحافظات الأكثر فقراً.