جنين | يواصل العدو الإسرائيلي جهوده الحثيثة في سبيل إخماد النار المشتعلة في جنين، لمنع تمدُّدها نحو مستوطنيه ومواقعه، وذلك عبر محاولة تحييد أكبر عدد ممكن من المقاومين المطلوبين. ولم يكد الهدوء النسبي يسود أياماً قليلة، حتى عاد المقاومون لـ«الدوس على الزناد بلا توقّف»، لتتصدّر جنين ومخيمها الواجهة مرّة أخرى، مع تجدّد الاقتحامات الإسرائيلية والاشتباكات المسلّحة، في وقت تحوّل فيه والد منفّذ عملية تل أبيب الأخيرة، رعد حازم، إلى «جنرال شعبي». وفي ترجمة عملياتية لشعار «مرّة السلطة ومرّة الجيش»، والذي باتت تطبيقاته متكرّرة أخيراً، في ما يدلّ على استمرار التعاون الأمني ما بين أمن السلطة والمخابرات الإسرائيلية، شنّ العدو، في ليلة 27 رمضان، عملية عسكرية جديدة ضدّ جنين ومخيّمها، إضافة إلى بلدة قباطية، حيث اعتقل المطارَد يزن مرعي، المطلوب لدى أمن السلطة، وأحد مقاومي «كتائب القسام». كما طاولت الاعتقالات أربعة فلسطينيين آخرين، هم: عاصم أبو الهيجا، نجل الأسير والقيادي في «حماس» جمال أبو الهيجا، وياسر أبو الرب من جنين، وفي قباطية كلّاً من الأسيرَين المحرَّرين علاء حنايشة وعلي أبو الرب.وبدأت العملية العسكرية الإسرائيلية بتسلّل قوة خاصة بمركبة مدنية إلى مخيّم جنين بعد صلاة الفجر، حيث انتشرت في الساحة تُساندها وحدات قناصة، ثمّ وصلت تعزيزات عسكرية إضافية من آليات جيش العدو، بينما كانت قوّة أخرى تقتحم بلدة قباطية. وتخلّلت كلا الاقتحامَين اشتباكات مسلّحة لم تتوقّف حتى انسحاب قوّات العدو. وخلال الانسحاب، استمرّ المقاومون في إطلاق النار، فيما تواصلت المواجهات الشعبية، ليردّ جيش الاحتلال على ذلك، ويقتل الشاب أحمد مساد ويصيب ثلاثة آخرين. وبحسب مصادر محلية، فإن مساد أصيب برصاصة مباشرة في رأسه خلال المواجهات في شارع حيفا في مدينة جنين، واستشهد بعد وصوله المستشفى بأقلّ من ساعة. والشهيد مساد (18 عاماً) يتحدّر من بلدة برقين غرب جنين، وينتمي إلى حركة «الجهاد الإسلامي»، واعتُقل لمدّة سنة في سجون العدو، وأُفرج عنه قبل ثلاثة أشهر فقط. يهوى الخيول ولديه إسطبل في المدينة عند أخواله، ويذهب يومياً إليهم لزيارة أقاربه وتفقّد حصانه، وقد وقعت المواجهات أثناء تواجده في جنين، فلبّى النداء واستمرّ في إلقاء الحجارة، ولاحق الآليات الإسرائيلية حتى آخر نقطة لها عند انسحابها في شارع حيفا واستشهد هناك. وخلال تشييعه، كان الشعار الأبرز: «يا جميل العموري... جبنا لك وردة جوري»، في رسالة بتجديد العهد مع الشهداء وبأن المقاومة جدوى مستمرّة. والشهيد العموري هو مؤسّس «كتيبة جنين» في «سرايا القدس» وأوّل قائد لها، ويصفه كثيرون بـ«مُجدّد الاشتباك» لأنه قاد أوّل مجموعة للمقاومة في جنين خلال معركة «سيف القدس» في أيار من العام الماضي. ومنذ مطلع عام 2022، استشهد 51 فلسطينياً، من بينهم 11 منذ بداية الشهر الجاري.
خلال 24 ساعة، سجّلت الضفة الغربية 10 عمليات إطلاق نار وعملية إلقاء عبوة مصنّعة محلياً


وخلال اقتحامهم جنين، ألصق جنود العدو قراراً عسكرياً على مدخلِ منزلٍ لعائلة الشهيد رعد حازم، يقضي بهدم شقة سكنية (طابق رقم 4) من البناية، بعد تنفيذ الشهيد عملية تل أبيب في السابع من الشهر الجاري، والتي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة نحو 13 آخرين. ومجدّداً، فشلت إسرائيل في العثور على فتحي حازم، والد منفّذ العملية، والذي تحوّل إلى «جنرال وبطل شعبي»، وظهر لأوّل مرّة منذ استشهاد ابنه وبدء الملاحقة الإسرائيلية له في وداع الشهيد أحمد مساد ومواساة عائلته، إذ ألقى كلمة مقتضبة قال فيها: «والله لنهزمنّهم قريباً، هذا وعد الله، وبكرا إحنا الختيارية نسبق أولادنا ونفديهم ونقف أمام البنادق حتى نستشهد، مش رح نخليهم يغتالوا ويقتلوا أولادنا واحنا نتفرج». وبات «أبو رعد» يمثّل نموذجاً بالنسبة إلى شباب مخيم جنين، حيث علمت «الأخبار» أن المرحلة الحالية تشهد تكثيف عمليات حراسة الوالد وحمايته، فيما رفع المقاومون المكلَّفون بهذه المهمّة من درجة اليقظة والحذر الأمني، خاصة بعد محاولة قوّة خاصة إسرائيلية اعتقال بعض أفراد العائلة، وإطلاق النار على مركبتهم قبل أسابيع في المدينة.
في غضون ذلك، وخلال 24 ساعة، سجّلت الضفة الغربية 10 عمليات إطلاق نار وعملية إلقاء عبوة مصنّعة محلياً. وبينما ألقى مقاوم العبوة باتّجاه حاجز الجلمة العسكري، تركّز إطلاق النار في بلدة قباطية ومدينة جنين ومخيمها، وتحديداً في المناطق التالية: بلدة قباطية قرب جنين، ومخيم جنين، وفي داخل المدينة في شارع الناصرة، ودوار الجلبوني، وشارع حيفا. كذلك، شهد اليومان الماضيان تطوّراً لافتاً شمال الخليل، حيث أطلق مقاومون النار تجاه مركبة للمستوطنين قرب بلدة بيت أمر، والتي تشهد عادة مواجهات شعبية بالحجارة والزجاجات الحارقة، فضلاً عن أنها وحدها سجّلت ثلاث عمليات إطلاق نار خلال 24 ساعة.
هكذا، يستمرّ الجمر تحت الرماد في جنين. وعلى رغم أن عدد المطلوبين يتناقص، إلّا أن عدداً أكبر من المقاتلين لا يزالون يحملون البنادق، وهم غير مكشوفين أمنياً، ومعظمهم ينتمون إلى «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي». كما أن تنفيذ قرار هدم منزل الشهيد رعد حازم، واستمرار ملاحقة والده وبعض أقاربه، يعنيان بالضرورة مزيداً من الاقتحامات الإسرائيلية التي ستقابلها اشتباكات مسلّحة مستمرّة، ليبقى التصعيد هو السيناريو الأكثر رجحاناً في قادم الأيام.