بغداد | في خرق لقرار المحكمة الاتحادية العراقية، الصادر في شباط الماضي، ببطلان قانون الغاز والنفط في إقليم كردستان، والمُقرّ من قِبَل برلمان الإقليم، أجرى رئيس حكومة كردستان، مسرور بارزاني، الأسبوع الماضي، محادثات في بريطانيا ودول أخرى لبحث ملفّ النفط والغاز، وخصوصاً إمكانية تصدير الغاز الذي تريده لندن بديلاً للغاز الروسي. ويَعتبر القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وفاء محمد كريم، في حديث إلى «الأخبار»، تلك الزيارة طبيعية؛ «لكون الإقليم يُصدّر يومياً 450 ألف برميل نفط بصورة علنية. وعند تصدير الغاز أيضاً، سيكون بصورة علنية وبدراية من الحكومة الاتحادية». وبالنسبة لقرار المحكمة الاتحادية، يلفت كريم إلى أن «هناك مفاوضات مكثّفة بين الإقليم وبغداد، ووزير النفط صرّح بوجود بوادر جيّدة وحلول لمنفعة الطرفين»، مضيفاً «أنّنا في الإقليم نحترم جميع قرارات المحكمة الاتحادية إن كانت متوافقة مع الدستور، ولكن لدينا ملاحظات كثيرة على هذا القرار كونه لا ينسجم مع المواد الدستورية. ومع ذلك، نأمل في أن تُحلّ هذه الإشكالية بالحوار والتفاوض». لكن في الواقع، ترتكب حكومة الإقليم مخالفات جسيمة في مجال تصدير النفط، إلى حدّ تهريبه بالكامل إلى الخارج بعيداً تماماً عن عين بغداد، وغالباً بالاتفاق مع تركيا. وهي ظلّت لفترة طويلة، وربّما ما زالت، تبيع جزءاً منه إلى إسرائيل. وهذا ما يمثّل وضوع خلاف مزمن مع بغداد التي تخسر الكثير من جرّائه. ووقّعت سلطات كردستان، منذ زمن، عقوداً واتّفاقات مع شركات أجنبية في «غرف مظلمة»، عبر شركات محلّية تابعة لقادة الإقليم، ولم يعرف أحد أيّ شيء عن تفاصيلها، التي لم يكلّف وزراء الطاقة في الإقليم أنفسهم مهمّة توضيحها. ويقول السياسي الكردي المعارض، مكي أميدي، في حديث إلى «الأخبار»، إنّ «الحكومة العراقية لم تأخذ الأمور بجدّية في تلك الفترة، ولم تتدخّل في هذا الموضوع، وبحسب مصادر غير رسمية ومعلومات مسرّبة، كان مسؤولون في الدولة العراقية يأخذون مبالغ من المال مقابل التكتّم وعدم الوقوف بوجه تصدير نفط الإقليم إلى الخارج». ويستدرك أميدي بأنّ «كلّ هذه الأمور توضّحت لاحقاً في 2018 و2019، حين خرجت الأمور عن السيطرة وكُشفت العقود الموقَّعة، وظهر بيع أنابيب النفط الممتدّة من الإقليم إلى حدود تركيا لشركة (روس نفط)، التي صارت تمتلك الأنابيب مع شركة (كار)، وهي شركة محلّية تابعة للشيخ باس الذي ادّعى أنّ بيته استُهدف بالصواريخ الإيرانية التي ضربت منشأة إسرائيلية في الإقليم قبل أسابيع. لكن الشيخ باس مجرّد واجهة، والمالك الأساس هو زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني».
يقدّم الإقليم نفسه بديلاً قادراً على سدّ جزء من العجز الناجم عن الحرب الأوكرانية


وتتقاضى «روس نفط» و«كار» إيجار أنابيب النفط من حكومة الإقليم، وهي 50 مليون دولار شهرياً، بعد أن دفعت الأولى للأخيرة 1.6 مليار دولار، من دون أن يُعرف كيف صُرف هذا المبلغ، ولا كيف صُرفت ديون الإقليم التي أعلن رئيس الوزراء قبل ستّة أشهر أنها تبلغ قرابة 34 مليون دولار، ولا مصادر هذه الديون والبنوك والشركات أو الحكومات المشاركة فيها. ويُشير أميدي إلى أنّ «الحكومات العراقية المتعاقبة لحدّ الآن كانت تغضّ النظر عن هذه الأمور، وتضغط بين فترة وأخرى على حكومة الإقليم من أجل تطبيق قانون النفط والغاز، وتحدث مفاوضات ومشكلات صغيرة تنتهي بتسويات مالية. وحتى القانون الصادر أخيراً من المحكمة الاتحادية بخصوص النفط والغاز لم يُطبَّق حتى الساعة، فهو مجرّد حبر على الورق، والكلّ يعرف الأسباب، فأكثرية الساسة العراقيين مشاركون في نهب ثروات النفط العراقي، وليس ساسة الإقليم فقط. فحتى في بغداد أيضاً المسألة واضحة جدّاً، وكذلك في الجنوب والوسط والمناطق السُنّية».
وبالعودة إلى مسألة تصدير غاز الإقليم إلى الخارج، يؤكد رئيس حكومة كردستان، ومساعده قوباد طالباني، أنّ الإقليم قادر على تزويد أوروبا بالغاز وسدّ جزء من العجز الناجم عن الحرب الأوكرانية، علماً أنّ 90 في المئة من غاز كردستان موجود في محافظة السليمانية وقضاء جمجمال، وهذه المواقع لم يتمّ الحفر بجدّية فيها إلى الآن، على رغم اكتشاف بعض الآبار هناك. وفي هذا السياق، يبيّن أميدي إن «موضوع نقل الغاز وتصديره من الإقليم، بحسب رأي الخبراء والمختصّين، يحتاج إلى ما بين سنتَين وثلاث سنوات لمدّ الأنابيب والحفر، وأمور فنّية كثيرة جدّاً. والتحرّكات التي يقوم بها قادة كردستان هي تمهيد لهذا العمل، إذ يسعون للحصول على عقود مع شركات أوروبية. وكما وقّعوا عقود النفط في غرف مظلمة، يكرّرون العملية بتوقيع عقود الغاز مع شركات أوروبية في غرف مظلمة لا أحد يعلم بها وهذا أمر خطير جداً». ويؤكد أنّ «المستفيد الرئيس هو الحكومة التركية التي تبحث عن موارد أخرى للاقتصاد، وسماسرة العائلة الحاكمة في الإقليم، وبعض المسؤولين في العراق»، فيما الشعب الكردي بعامّته لا يصله إلّا الفتات، بل يجد صعوبة في إيجاد الغاز المنزلي، حيث يقف المواطن في طوابير للحصول عليه وبأسعار مرتفعة. ويقدّم أميدي دليلاً على ذلك بالقول إنّ «مصاريف استخراج النفط من الإقليم ونقله وبيعه، بحسب تصريحات رئيس حكومة كردستان في مؤتمر صحافي قبل شهرين، تصل إلى 59 في المئة، ويبقى فقط 41 في المئة من أموال النفط للحكومة. لكن في كلّ دول العالم، لا تتجاوز النسبة الأخيرة 10 في المئة، ما يعني أن باقي الأموال تذهب إلى شركات محلّية وأجنبية، والمحلية منها تابعة لعائلة بارزاني».