دمشق | في شهر أيار من عام 2019، نشر موقع إلكتروني سوري خبراً عن تَوجّه وزارة النفط السورية لتقليص دعم المحروقات، فما كان من الوزارة إلا أن قدّمت شكوى ضدّه في فرع جرائم المعلوماتية، أُوقف على إثرها المسؤول عن الموقع، وخرج من السجن بعد تقديم اعتذار وسحب الخبر. إلّا أن وزارة النفط، وبعد عدّة أيام فقط، قامت بتنفيذ محتوى الخبر الذي اعترضت عليه، حيث تمّ تخفيض مخصّصات البنزين حينها إلى 100 ليتر شهرياً للسيارات الخاصة، و350 ليتراً لسيارات الأجرة. ويَعتقد الحقوقيون أن استدعاء ناشر الخبر أعلاه، استند إلى المادة 30 من قانون الجريمة المعلوماتية السابق (17 لعام 2012)، والتي لطالما أثارت الجدل، كونها تدور حول الجريمة التي تمسّ الدولة أو السلامة العامة، وتتقاطع مع المادّتَين الأكثر إثارة للجدل أيضاً في قانون العقوبات السوري 285 و286 (إضعاف الشعور القومي ووهْن نفسية الأمة)، واللتين أصبحتا جزءاً من موادّ القانون الجديد. ويرى الحقوقيون أنّ هذه المواد غير قابلة للقياس، ويمكن مطّها لتكون صالحة لكلّ زمان ومكان وقضية، علماً أنّ القضية المُشار إليها هنا تبيّنت صحّتها لاحقاً، لكن ناشرها خضع، كالعادة، لـ«التأويل».
تأثّرٌ بقوانين مصر والإمارات
بمراجعة موادّ قانون الجريمة المعلوماتية السورية المعدّل، والصادر بنسخة جديدة قبل أيام، يبدو واضحاً تأثّره بقوانين المنطقة العربية الصادرة بعد عام 2011. ولعلّ من بين أوضح الأمثلة على ذلك الحديث عن «النيل من هيبة الدولة» في المادّتَين 28 و29، والذي يتقاطع مع المادة الأولى من القانون الإماراتي المماثل، حيث ترد فيها «جريمة الإضرار بأمن الدولة أو بسيادتها أو أيٍّ من مصالحها». وينسحب الأمر على العديد من المواد؛ فالمادّة 20 من القانون السوري، تكاد تطابق المادة 27 من ذلك الإماراتي الصادر عام 2021، لناحية محاولات تعديل الدستور، أو قلْب وتغيير نظام الحكم. وبحسب مصادر «الأخبار» في مجلس الشعب السوري، فإن المُشرّع السوري «راجع القانونَين الإماراتي والمصري أثناء صياغة النسخة السورية، وتأثّر بالعديد من الموادّ فيهما»، من دون أن يلحظ الانتقادات المُوجَّهة إليهما، خصوصاً لناحية التعريفات الغامضة. ويقول المحامي كمال سلمان، لـ«الأخبار»، إنّ «القانون عرَّف المصطلحات في مقدّمته، إلّا أنه أغفل تفسير مفهوم النيْل من هيبة الدولة، وحبّذا لو أن المُشَرِّع وضع معايير قياسٍ له، وحدّد أركانه المادّية والمعنوية، وعرّفه بشكل واضح، وأشار إلى الوسائل التي يمكن استخدامها للنيل من هيبة الدولة، حتى لا يُصار إلى تطبيق القانون وفق أهواء السلطات، ما يؤثّر على حماية الحرّيات العامة التي نصّ عليها الدستور السوري».
راجع المُشرّعون القانونين الإماراتي والمصري أثناء صياغة النسخة السورية


مخاوف على الحريات
من بين الموادّ التي تُثير مخاوف في أوساط النشطاء والصحافيين، المادّة 25، التي تجرّم استخدام وسائل تقانة المعلومات للحصول على تسجيلات صوتية أو مرئية أو التقاط صور تخصّ أحد الناس من دون رضاه، مع تشديد العقوبة في حال كان هذا الشخص مكلّفاً بعمل عام. وبرأي سلمان، فإنه «يمكن تفسير هذه المادّة على أنها تمنع توثيق حالات الرشوة بالصوت والصورة، والتي تعدّ من أركان الصحافة الاستقصائية»، و«بالتالي قد يَعتبر أيّ موظّف عام أن فساده أمرٌ خاصّ، لعدم وجود توافق على مفهوم الخصوصية، فما هو خاصّ لي قد يكون عامّاً لغيري». كما يرى حقوقيون أن حقّ النقد والسخرية تَعرّض، هو الآخر، للتقييد نسبياً في المادة 24 التي منعت الذمّ غير العلني، والذي ربّما يتجلّى في السخرية من سلوك سياسي أو مسؤول من دون ذكر اسمه، وكذلك الفقرة «ب» من المادة نفسها، والتي تمنع الذمّ والقدح العلنيَين، وتشدّد العقوبة فيما لو كان الشخص المُستهدَف يقوم بعمل عام. وعليه، فإن «انتقاد أيّ موظّف عام مكلّف بخدمةٍ، عبر الشبكة، قد يشكّل جرماً مشدّداً»، بحسب سلمان.

تطمينات رسمية
دفع تزايد المخاوف والهواجس في شأن القانون، السلطات إلى محاولة تطمين النشطاء والصحافيين، عبر سلسلة اجتماعات حضرها أعضاء في مجلس الشعب ممّن شاركوا في صياغته، وتخلّلها تشديد على أنّ القانون لن يحمي أيّ مسؤول أو موظّف فاسد، وأنه «لا يسعى لتشديد الخناق على الحرّيات العامّة، وإنّما هدفه تطوير البيئة القانونية للمعلوماتية في سوريا، ومنع الفلتان». كما جرى التركيز، خلال الاجتماعات، على «أهمية الموادّ الأخرى التي لا تُثير الجدل، وإنّما فقط تنظّم استخدام الإنترنت في سوريا على الصعيد الفردي أو التجاري». أمّا الجزء الأهم، فكان إبلاغ الصحافيين بأنهم سيُحاسَبون وفق قانون الإعلام عند النشر في وسائلهم الإعلامية، لكن عند النشر على صفحاتهم أو منابرهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فسيُحاسبون وفق قانون الجريمة المعلوماتية، وهو ما يمثّل ثغرة لناحية تماشي القانون مع العصر الحديث، والذي تحوّلت فيه منابر الصحافيين الشخصية المفتوحة للعامة، إلى وسائل إعلام تُنشر فيها الأخبار والمقاطع المصوّرة. وثمّة أمثلة كثيرة على مستوى العالم، تُظهر عمل الصحافيين بشكل مستقلّ عبر شبكة الانترنت، وقدرتهم على إحداث تغييرات إيجابية في مجتمعاتهم من خلال ذلك، ونشرهم تحقيقات استقصائية كشفت قضايا فساد مهمّة في دولهم، ما يضع مَن يعملون حالياً على تعديل قانون الإعلام أمام مسؤولية تضمينه ما يُطلق عليه «الإعلام البديل»، بمختلف أشكاله، وحماية الصحافيين من قانون الجريمة المعلوماتية.