غزة | من دون الحاجة إلى الدخول في معركة مباشرة من قطاع غزة، حيث القوّة المركزية لقوى المقاومة الفلسطينية، تمكّن الفلسطينيون، مرّة أخرى، في الذكرى السنوية لمعركة «سيف القدس»، من فرض خطوط حمراء على حكومة العدو، حتى باتت الشرطة الإسرائيلية مضطّرة للوقوف، بشيء من الشدّة، في وجه المستوطنين ومنعهم، تارةً من ذبح قربان، وطوراً من إكمال مسيرة أعلام «مُعتادة»، خوفاً من تساقط الصواريخ على المدن المحتلّة، واشتعال الميدان بما لا يمكن للعدو هضمه. ويبدو أن قادة الكيان فهموا دروس «سيف القدس» جيداً، وأدركوا أن مواجهة المستوطنين المتطرّفين ومخطّطاتهم، أهون عليهم من مواجهة فصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 1984، حيث لم يعد من مجال لاستفراد الاحتلال بساحة دون أخرى
تحت وطأة تهديدات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي وصلت إلى حدّ إطلاق صاروخ أول تحذيري قبل أيام، بالإضافة إلى صمود المعتكفين والمحامين عن المسجد الأقصى، وخطر عودة التصعيد الكبير إلى الضفة الغربية بعد أيام قليلة من الهدوء الحذر، منعت شرطة العدو، بتوجيه من حكومته، تنفيذ الطقوس التلمودية التي تقضي بـ«ذبح قربان» داخل المسجد الأقصى، واعتقلت بعض المستوطنين الذين حاولوا تنفيذ ذلك. كما أصدرت حكومة الاحتلال قراراً بإغلاق الحرم القدسي أمام «الزوّار اليهود»، اعتباراً من يوم غد الجمعة، وحتى نهاية شهر رمضان. ومع أن الحكومة الإسرائيلية لم تصدر بياناً رسمياً تؤكّد فيه ما أوردته وسائل الإعلام العبرية حول القرار، إلا أن ناشطي المستوطنين المتطرّفين علّقوا بالقول إن «فترة الإغلاق السابقة (الأعوام الماضية) كانت بحدّ أقصى 3-4 أيام، بدلاً من 12 يوماً كما هو مخطّط حالياً»، فيما اعتبر عضو «الكنيست» إيتمار بن غفير، أنه «في حال كانت أخبار إغلاق الحرم القدسي صحيحة، فقد رفع بينيت الراية البيضاء». ومع أن هذا الإجراء تقْدم عليه عادة الحكومة الإسرائيلية خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، إلا أنها عادة ما لا تطيل أمده إلى 10 أيام، ولا تتشدّد في تطبيقه، وسرعان ما تسمح للمستوطنين باختراقه. كما لم تتمكّن حكومة العدو من فرض تقسيم زماني ومكاني على الحرم القدسي، وهو فكرة قديمة، تقضي بتقسيم الحرم زمانياً ومكانياً، بين الفلسطينيين المسلمين، والمستوطنين اليهود، الأمر الذي حذّرت المقاومة من مغبّة تطبيقه، معلنةً أنها لن تسكت عنه.
ويوم أمس، قمعت الشرطة الإسرائيلية، أخيراً، المتطرّفين الصهاينة الذين حاولوا الوصول إلى منطقة باب العامود في القدس المحتلة، ضمن «مسيرة الأعلام» التي تقام سنوياً، وكانت سبباً أساسياً في اشتعال «هبّة الأقصى» العام الفائت، ثمّ الانتقال إلى «سيف القدس» بعدها. وانطلقت «مسيرة الأعلام» بمشاركة بن غفير من ميدان صفرا في القدس في طريقها إلى منطقة باب العامود والحي الإسلامي، لكن الشرطة الإسرائيلية أغلقت الطريق أمام المسيرة التي ضمّت نحو ألف مستوطن، ومنعتهم من تجاوز ساحة باب العمود. وبثت قناة «كان» العبرية مقطع فيديو يوثّق مواجهات بين الشرطة والمستوطنين الذين حاولوا كسر الحاجز الأمني من دون جدوى. وكانت المسيرة قد انطلقت على رغم عدم حصول منظمّيها على تصريح من الشرطة الإسرائيلية، بناءً على طلب تقدّموا به الثلاثاء. وفي السياق، قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، في تصريحات إلى الصحافيين، إن «هدف بن غفير وأنصاره هو اندلاع العنف»، مضيفاً: «يريدون ناراً تحرق القدس ولن نعطيها لهم». ورداً على دعوات المتطرّفين الصهاينة لإقامة «مسيرة الأعلام» في باب العامود، أُطلقت دعوات مقدسية لتكثيف التواجد في منطقة باب العامود بعد صلاة العصر للتصدّي للمتطرفين، وهو ما حدث بالفعل، حيث وقعت احتكاكات بين الفلسطينيين وبعض المستوطنين الذين تمكّنوا من تجاوز الشرطة الإسرائيلية.
يوم أمس منعت الشرطة الإسرائيلية، أخيراً، المتطرّفين الصهاينة الذين حاولوا الوصول إلى منطقة باب العامود


وبحسب مصدر في فصائل المقاومة، تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «فصائل المقاومة كانت تتابع كلّ صغيرة وكبيرة تجري في المسجد الأقصى، ولم تكن لتسمح بانتهاكات جديدة في المسجد، وخاصة مسيرة الأعلام أو ذبح قرابين داخله». وجاء ذلك في وقت نقلت فيه وسائل إعلام عبرية عن مصدر أمني رفيع، وجود معلومات استخبارية حول «نية إطلاق صواريخ من قطاع ‎غزة تجاه منطقة الوسط (تل أبيب)، في حال وصل بن غفير ومسيرة الأعلام الى باب العامود». وأثار قرار منع المسيرة انتقادات حادّة لحكومة الاحتلال، إذ قال الصحافي، أدير لحاكيم، من «القناة 14»، إنه «بدون القيام بأفعال على الأرض، قادة المنـظّمات في غزّة بقيادة السنوار يتفاخرون بأنهم خلقوا قوّة ردع أمام المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لدرجة أنهم في المؤسّسة الأمنية أصبحوا يمتنعون حتى عن التفكير في القيام بعملية حارس الأسوار 2». وتتابعت تعليقات الصحافيين والمعلّقين الصهاينة، على ما اعتبروه انصياع حكومة بينيت لتهديدات فصائل المقاومة، حيث قال مراسل «كان»، غال بيرغر، ساخراً: «الحلُّ للعام القادم: من الممكن بناء نسخة أخرى من باب العامود في ساحة الجيش (خارج البلدة القديمة)، ويمكن أيضاً إحضار أي جِدي هناك لذبحه قرباناً»، في إشارة إلى فشل تنفيذ الذبح والمسيرة، وصعوبة النجاح في ذلك حتى في السنوات القادمة. أمّا روعي كايس، وهو مراسل آخر في «كان»، فقد بدا متعجّباً من أنه «بعد مرور عام على حارس الأسوار، كيف لم ننظر إلى أعظم نجاح لحركة حماس ورفاقها، عندما ربطت تلقائياً بين القدس وقطاع غزة؟ في المنطقة، عندما تتشكل مثل هذه المعادلات، فإنها لا تذهب إلى أيْ مكان».
ومن جهتها، لخّصت الصحافية والمحلّلة المختصّة بالشؤون الفلسطينية، دانا بن شمعون، ما اعتبرتها «سلسلة من الإنجازات، تواصل حماس اكتساحها»، وهي:
- أشعلت المواجهات في الأقصى وتمكّنت من خلق انطباع بأنها جاءت استجابة لنداءاتها.
- الآن توجّه حماس إسرائيل حول مسيرة الأعلام، وهي تستمتع برؤية كيف تدور الأجندة الإسرائيلية حولها.
- تعزيز مكانة الحركة في مدينة القدس.
- إثبات وجودها من خلال التحرّكات مع الوسطاء (بحسب مصادر «الأخبار» فقد تلقّت قيادة «حماس» قرابة المئة اتصال من وسطاء دوليين وعرب خلال الأيام الفائتة).
ومساء أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي، أنه بعد تقييم أمني، ووفقاً لتوجيهات المستوى السياسي، «سيتمّ فرض إغلاق عام على منطقة الضفة وإغلاق المعابر مع قطاع غزة اعتباراّ من يوم الخميس الساعة 17:00 (عصراً) حتى يوم السبت 23 أبريل 2022»، مشيراً الى أنه «سيستمرّ خروج الفلسطينيين لأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى كالمعتاد (الحائزين على تصاريح)، خلال فترة الإغلاق العام». وفي الوقت نفسه، قال وزير الأمن، بني غانتس، إن حكومته مستمرة بـ«تقديم التسهيلات للفلسطينيين، في حال حافظوا على الهدوء».