الخرطوم | لا يزال التوصّل إلى حلٍّ للأزمة السياسية المستعصية في السودان متعذّراً، في ظلّ تعثُّر تشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من أربعة أشهر على استقالة حكومة عبدالله حمدوك. أزمةٌ تُضاف إليها أخرى اقتصادية وأمنية، مردّها إلى عودة رموز النظام السابق إلى الواجهة مجدّداً، بمساعدة جنرالات الجيش الموالين لهم. ويبيّن مصدر في الجيش، لـ"الأخبار"، أن "كلّ قادة المؤسسة العسكرية من أصحاب الرتب العليا باتوا ينتمون إلى حزب المؤتمر الوطني الذي كان يشترط عليهم في السابق قسْم الولاء للحزب، في مقابل منحهم الترقيات".وساهم في عودة الإسلاميين إلى السلطة، هذه المرّة، الحركات المسلّحة التي قادت نضالاً مسلّحاً على مدى ثلاثة عقود من حُكْم الرئيس السابق عمر البشير ضدّ الحكومة المركزية في الخرطوم، لكن مصالح قادة تلك الحركات باتت مرتبطة، حالياً، بقادة الانقلاب. ويرى محلّلون أن الكشْف عن الوجه الحقيقي لانقلاب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، بعد مضيّ أكثر من ستة أشهر على حدوثه، لم يكن مفاجئاً، إذ عمل رئيس "مجلس السيادة" السوداني، منذ اللحظة الأولى للانقلاب، على إعادة جميع المفصولين من الوظائق الحكومية (سفراء، موظفين في المصرف المركزي ووكالة الأنباء السودانية،...) إلى عملهم، مناقضاً بذلك قرار "لجنة إزالة التمكين" المعنيّة بإزالة جميع مظاهر تمكين "حزب المؤتمر الوطني" في مفاصل الدولة. كما أعاد البرهان الحسابات المالية المجمّدة إلى عدد كبير من رموز النظام السابق. وعمل قادة الانقلاب على الزجّ بأعضاء "لجنة إزالة التمكين" في السجون، بعدما عطّلت ه1ه الأخيرة مصالح قيادات النظام السابق الاقتصادية، وجمّدت جميع أنشطتها في الداخل وفي الخارج، وهو ما جعلها هدفاً أوّل لرموز الانقلاب الذين جمّدوا عملها وراجعوا قراراتها عبر القضاء الذي عاد إليه قضاته الموالون للنظام.
أعاد البرهان أغلب الموظّفين الموالين لـ«حزب المؤتمر الوطني» إلى عملهم


في هذا الوقت، عادت إلى الشارع الشعارات التي رُفعت قبل سقوط البشير، والتي تقلّل من حجم "الكيزان" (مصطلح محلي يُطلق على الإسلاميين)، وتنعتهم بمصطلح "كوز" المرادف للفساد والسرقة وبيع الذمم. ولا يبدو أن الطريق ممهَّد أمام أنصار النظام القديم لتحقيق مصالحهم الآن، إذ سيصطدم هؤلاء بعبد الفتاح البرهان، الطامح للبقاء في السلطة، فيما لم يعد خافياً على أحد أن جميع قراراته تهدف إلى الاستئثار بالسلطة منفرداً. من جهته، يلتزم نائب رئيس "مجلس السيادة"، قائد قوات "الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حتى الآن، الصمت إزاء التطورات التي تشهدها الساحة السياسية في البلاد، وأبرزها العودة الصريحة إلى رموز النظام السابق وتبرئة رئيس "حزب المؤتمر الوطني"، إبراهيم غندور، وعدد من القيادات في حزبه من تهمة تقويض الحكومة الانتقالية. إلّا أن تحركات "حميدتي" لم تهدأ في إطار اللجنة الاقتصادية العليا التي يترأّسها، والمعنية بوضع حلول للمشاكل الاقتصادية، في مسعى منه إلى خلق أرضية للحصول على مكانة لدى السودانيين. ويبدو لافتاً للانتباه عدم ظهور أيّ صدام بين دقلو وقائد الجيش، على رغم التسريبات الأخيرة التي تحدّثت عن وجود خلاف بين الرَّجُلين. وبحسب مراقبين، فإن البرهان مهموم بتثبيت أركان انقلابه، الأمر الذي يُلزمه إرجاء صراعه مع نائبه.
في هذه الأثناء، تتمسّك "القوى الثورية" بمواصلة التظاهرات والنزول إلى الشارع للتأكيد على رفض المساومة والشراكة مع العسكر مرّة أخرى، على رغم العنف الممارَس ضدّها من جانب السلطة. لكن ثمة من يُلقي باللائمة على هذه القوى، بسبب تشتُّتها، وغياب الرؤية الموحّدة لأركانها، وهو ما ساهم في إطالة أمد الانقلاب.