القاهرة | تضاربت الأنباء حول اختفاء الباحث الاقتصادي المصري، أيمن هدهود، منذ كانون الثاني الماضي، والإعلان أخيراً، من جانب الجهات الرسمية، عن وفاته في مستشفى العباسية، فيما تؤكد مصادر أن الراحل قُتل تحت التعذيب أثناء التحقيق معه. ولا تزال المفاجآت تتكشّف تباعاً بخصوص هذه القضية، إذ تبيّن أن هدهود الذي أُعلن عن وفاته الأسبوع الماضي، فارق الحياة قبل أكثر من شهر، لكن جثمانه أودع داخل براد المستشفى، على الرغم من أن أسرته كانت تبحث عنه وأبلغت باختفائه في الوقت الذي كان يطالبها فيه بعض السياسيين والحقوقيين بعدم التصعيد، أملاً في الإفراج عنه بهدوء، خصوصاً أنه اعتقل على خلفية آرائه السياسية.وبحسب شهادة الوفاة المؤرّخة في شهر آذار الماضي، فإن هدهود فارق الحياة بعد حوالى شهر من اختفائه، وتحديداً في 5 شباط، حيث قضى أياماً عدّة داخل قسم شرطة الأميرية، إلّا أن عائلته لم تتمكّن من التواصل معه، بعدما قوبلت استفساراتها عنه بنفي وجوده لدى أيّ جهة أمنية. وبحسب العائلة، فإن آثار جروح على رأس أيمن ظهرت بوضوح، إضافة إلى علامات تعفّن على جثمانه نتيجة بقائه مدّة طويلة في الثلاجة، قبل إبلاغ الأسرة بوفاته، فضلاً عن منع الأخيرة من إيفاد طبيب أو محامٍ لحضور عملية التشريح.
من جهتها، أفادت وزارة الداخلية، في بيان، بأن هدهود أُوقف إبّان محاولته اقتحام إحدى الشقق في منطقة الزمالك في القاهرة، قبل أن يجري نقله إلى مستشفى الأمراض النفسية لبحث حالته الصحية، وهو الرأي الذي تبنّته النيابة العامة، قائلةً إن القتيل خضع للتحقيق أمامها في شهر شباط الماضي، وإن قرار إحالته على مستشفى الأمراض النفسية جاء «نتيجة هذيانه بكلمات غير مفهومة»، والتشكيك في سلامة قواه العقلية. وتزعم النيابة المصرية أنها أبلغت عائلة المتّهم بالوفاة وإثبات خلوه من أيّ إصابات ظاهرة أثناء توقيع الكشف الظاهري عليه، للتأكد من عدم وجود شبهة جنائية. كما تدّعي النيابة أن أقوال الأطباء النفسيين الذين جرى الاستماع إليهم تؤكد أن الضحية كان يعاني من اضطراب بدرجة الوعي ودوار وعدم اتزان، وأنه توفي خلال إجراءات نقله إلى أحد المستشفيات الحكومية بعد الاشتباه في إصابته بفيروس «كورونا» أثناء احتجازه. ولم تتطرّق تحقيقات النيابة الأولية إلى أيّ اشتباه في التعذيب، بل أعلنت عن فحص عيّنات من جسد الراحل لتبيان مدى احتوائها على آثار مواد مخدرة أو سامة قد تكون سبباً في الوفاة.
لكن مصادر تحدّثت إلى «الأخبار» عن أن السيناريو الأقرب إلى الواقع، مرتبط بتوقيف الراحل بناءً على تعليمات أمنية مسبقة، و»خلال التحقيق معه تعرّض للتعذيب، ما استوجب خضوعه للعلاج خارج الجهة الأمنية التي حقّقت معه، ونقل بعدها إلى مستشفى الصحة النفسية باعتبارها المكان الذي يمكن احتجازه فيه لمدة 45 يوماً لتلقّي العلاج بحسب القوانين».
وحتى الآن، لا توجد نيّة لدى الجهات الأمنية المصرية بالتحقيق في الواقعة أو الإقرار بتعرّض الباحث الاقتصادي للتعذيب قبل وفاته. لكن الجليّ أن محاولات إغلاق ملفّ القضية جاري العمل عليها، على الرغم من التخبّط الذي أصاب وزارة الداخلية بعد إعلان الوفاة، وإصدار بيانات متضاربة حول أوّل مكان أُوقف فيه أيمن وأسباب التوقيف. وبينما خرجت مطالبات من بعض الأطباء بضرورة تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب الوفاة وأسباب الاحتفاظ بجثمان القتيل طوال هذه المدّة في ثلاجة المستشفى من دون إبلاغ ذويه، أصدرت وزارة الصحة تعليمات لأطباء مستشفى «العباسية» بعدم الحديث عن القتيل أو الوقت الذي قضاه في المستشفى إلّا أمام الجهات القضائية.