بعد أيّام من تصاعد العمليات الفدائية الفلسطينية، وإطلاق حملة إسرائيلية لمواجهتها، أقرّ وزير جيش الاحتلال، بيني غانتس، بعجز المؤسّستَين الأمنية والعسكرية عن منعها، في وقت اضطرّ فيه رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، لقطع مسار تحرّكاته السياسية المتّصلة بالقضايا الإقليمية والدولية الساخنة، للتركيز على الجبهة الفلسطينية. ويأتي ذلك فيما تخشى حكومة العدو من أن يؤدّي استمرار العمليات إلى انتفاضة فلسطينية ومواجهة عسكرية مع قطاع غزة، ستؤدّي بدورها إلى انهيار الائتلاف الحكومي، وعودة بنيامين نتنياهو الذي يتصدّر وحلفاؤه استطلاعات الرأي الأخيرة، بفارق كبير عن الائتلاف الحكومي الحالي.وفي تعليقه على الانتقادات التي وُجّهت أخيراً إلى الحكومة، على خلفية فشلها في مواجهة العمليات الفدائية، أقرّ غانتس، خلال مقابلة مع «القناة 12» العبرية، بأنه من الصعب إيقاف شخص يقرّر في لحظة ما حمل سكّين أو مفكّ، وتنفيذ عملية طعن، ليقاطعه المقدّم بأن الهجمات الأخيرة استُخدمت فيها الأسلحة الرشّاشة، والتي تحتاج إلى تخطيط وتسلّح مسبقيْن، متسائلاً عن فشل «الشاباك» والجيش في إحباطها. وأجاب غانتس هذا السؤال بأن «الدولة تعيش أياماً قاسية وتراجيدية»، وأن «أذرع الأمن تُحبط عشرات العمليات شهرياً»، وأنه «ليس من السهل منح 100% من الأمن»، مشيراً إلى أن «الشاباك يحقّق في كيفية دخول منفّذ عملية بني براك، ضياء حمارشة، بمركبته وسلاحه عبر فتحة في الجدار الفاصل»، مضيفاً أنه «يقوم بجهود مضنية لمنع العمليات القادمة بالتعاون مع شتّى الأذرع الأمنية».
في هذا الوقت، تسود حالة من التشاؤم في أوساط المؤسّسة الأمنية للعدو، في شأن السيناريوات المتوقّعة للتصعيد الميداني في الأراضي الفلسطينية، إذ ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أن التقييم الأمني يرتكز على أن الأحداث المحتملة في القدس، هي التي ستُحدّد وجهة الأوضاع، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال يستعدّ لاحتمال تصعيد مطوّل، وأن ينتقل من «النشاطات الدفاعية إلى الهجومية»، والضغط على المجموعات التابعة لفصائل المقاومة في الضفة. ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية أنه بسبب خصائص الهجمات الأخيرة التي لا تُظهر وجود بنية تحتية تنظيمية واتّصالات تشغيلية خلفها، فإنه «ليس من الممكن حقاً تقييم متى ستنتهي هذه الموجة، التي قد تمتدّ لأسابيع أو أشهر».
تسود حالة من التشاؤم في أوساط المؤسّسة الأمنية للعدو في شأن السيناريوات المتوقّعة


ميدانياً، نشر جيش الاحتلال الآلاف من جنوده صباح أمس في مدن الداخل المحتل، مع التركيز على مدينة القدس وبلدتها القديمة، حيث تَوزّع قرابة 3 آلاف شرطي، فيما تمركز المئات من الجنود في المحاور الرئيسة من المدينة. كذلك، تمّ نشر 1300 جندي من شتّى الوحدات العسكرية - من بينها وحدات خاصة مِن مِثل «سييرت متكال» و«شاييطت 13» - في مدن الداخل المحتلّ عام 1948، سعياً لإرجاع الشعور بالأمن إلى الإسرائيليين، في ظلّ ارتفاع مستويات الهلع في أوساطهم. بالتوازي مع ذلك، قيّدت شرطة الاحتلال، أمس، الدخول إلى المسجد الأقصى، حيث سمحت للرجال ممَّن هم فوق سن الـ60 عاماً وللنساء بالدخول من دون قيود، فيما الرجال المُراوحة أعمارهم بين 45 عاماً و60 عاماً سَمحت بالدخول لِمَن يملكون تصاريح خاصّة منهم.
على خطّ موازٍ، وقّع غانتس على أمر استثنائي - سارٍ لمدّة شهر واحد - لاستدعاء 300 جندي من قوّة «حرس الحدود»، بناءً على طلب الشرطة، بهدف تعزيز القوّات المنتشرة على الأرض في إطار عملية «كاسر الأمواج». وكانت «القناة 12» العبرية ذكرت أن بينيت، ووزير الأمن الداخلي عومير بارليف، ومدير الشرطة كوبي شبتاي، اتفقوا على تمويل إضافي للشرطة بمبلغ 181 مليون شيكل، سيتمّ تحويل 111 مليوناً منها حالياً، و70 أخرى بحلول شهر آب. وستُستخدم الميزانية الجديدة لإنشاء «لواء حرس حدود» جديد يعمل كقوّة احتياط، وتجنيد 200 جندي بشكل دائم، وشراء 6500 سترة واقية، و4 آلاف خوذة، و40 دراجة نارية، وتجهيز 10 سرايا حدودية. وفي الإطار نفسه، كشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن جهاز «الشاباك» يسعى للحصول على صلاحيات قانونية طارئة، بهدف توسيع عملياته ضدّ فلسطينيّي الداخل الذين يحملون الهوية الزرقاء.



محاولات الوصْم بـ«داعش» مستمرّة
في الوقت الذي يعترف فيه الاحتلال بعجزه عن مواجهة العمليات التي يَنطلق منفّذوها من أراضي عام 1948، يواصل العدو جهوده لوسْم المنفّذين بالانتماء إلى تنظيم «داعش». وبعدما تعذَّر عليه إثبات علاقتهم بالتنظيم، عاد ليتحدّث عن تأثّرهم به فكرياً. وبحسب تقديرات العدو، فإن إثبات هذه التهمة من شأنه التقليل من دافعية الشبّان إلى العمليات الفدائية، وتأليب عائلاتهم عليهم. وفي هذا الإطار، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر استخبارية أنه لم يتمّ العثور على أيّ اتصال مباشر أو تعليمات مباشرة من تنظيم «داعش» إلى منفّذي عمليتَي بئر السبع والخضيرة، الذين لا يزال الاعتقاد سائداً بأنهم قاموا بما قاموا به بقرار فردي. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن التحقيقات لم تجد أيّ صلة حتى الآن بين منفّذ عملية بئر السبع، ومنفّذَي عملية الخضيرة، وأن الأوّل لم يشارك أيّ شخص في خططه، حتى شقيقه الذي كان يُشتبه في معرفته بنواياه، فيما الأخيران يبدو أنهما نفّذا أيضاً عمليتهما من دون أن يشركا أحداً في خططهما. وعلى رغم ما تَقدّم، إلّا أن «الشاباك» استمرّ في الحديث عن أن العمليتَين مستلهمتان من أساليب «داعش»، مدّعياً أن 100 أسير فلسطيني يحملون فكره، فيما تأثّر به ما بين 2000 و3000 من فلسطينيّي الداخل خلال السنوات الماضية، وحاول بعضهم الاتصال به. وأشارت «يديعوت أحرونوت» إلى أن المؤسّسة الأمنية تركّز حالياً على مراقبة الفلسطينيين من سكّان الداخل، «ممّن ارتبطوا في السابق بتنظيم داعش، وحاولوا الانضمام إليه في سوريا أو العراق».