غزة | لم يجد المسنّ أبو محمد مكاناً يلجأ إليه بعد أن طرده صاحب البيت الذي يستأجره منذ سنوات، سوى خيمة الاعتصام الدائمة، التي أقامها منتفعو الشؤون الاجتماعية في قطاع غزة، احتجاجاً على مماطلة الوزارة في صرف مستحقّاتهم للشهر الـ16 على التوالي. يقول أبو محمد، إلى «الأخبار»، «طُردت من البيت، واضطررت في آخر عمري لتوزيع أفراد عائلتي على أقربائي (...) منذ أكثر من عام لم أستطع دفع أجرة البيت، عدا عن أننا نعيش الفقر والجوع... والله شحدونا الملحة». وإلى جانب الكهل الستّيني، احتشد المئات من أمثاله، في وقفة احتجاجية نظّمتها «الهيئة العليا للمطالبة بحقوق فقراء ومنتفعي الشؤون الاجتماعية»، في مدينة غزة، يوم الخميس الماضي، أمام مقرّ «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، حيث حمل المشاركون لافتات كتب عليها: «لسنا متسوّلين، منتفعو الشؤون غلابة يا قيادة».ويؤكد صبحي المغربي، وهو المتحدّث باسم مستفيدي الشؤون، أنّ 116 أسرة في غزة والضفة لم تتلقَّ منذ 16 شهراً مستحقّاتها التي لا يتجاوز متوسّط أغلبها هامش الـ225$، تُصرف بشكل متقطّع أربع مرّات في كلّ عام. ويبلغ عدد الأسر المستفيدة في القطاع من هذا البرنامج 81 ألف أسرة، أي قرابة 650 ألف شخص، يُعاني كثيرون منهم من أمراض مزمنة وإعاقات لا تمكّنهم من العمل. ويَلفت المغربي، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أنّ «السلطة التي تتذرّع بالضائقة المالية، تُعلن في ذات الوقت عن صرف مساعدات عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، ذات طابع حزبي، يستفيد منها على نحو عُنصري الكادر الفتحاوي في غزة، في الوقت الذي يستقبل فيه مئات آلاف الفقراء في غزة شهر رمضان ببطون خاوية».
وكانت وزارة التنمية الاجتماعية قد أعلنت مساهمتها في توفير منحة مالية سيتمّ تقديمها للكادر غير المفرغ من أبناء حركة «فتح» في غزة. وأوضح الوزير أحمد مجدلاني أن هذه المنحة ستُصرف بتوجيهات من الرئيس محمود عباس، من باب «المسؤولية المجتمعية» للوزارة، فيما كشفت مصادر «فتحاوية»، إلى «الأخبار»، أنّ قيمتها هي 200 دولار، وسيستفيد منها 1200 كادر «فتحاوي»، وقد جرى البدء بصرفها مطلع الأسبوع الجاري. بدوره، أكد إبراهيم أبو النجا، وهو محافظ حركة «فتح» في القطاع، أنّ السلطة ستستمرّ في صرف المساعدات لـ«الفتحاويين»، واصفاً ما جرى صرفه إلى الآن بأنه «أوّل الغيث». وحول عدد الأعضاء المستفيدين، أجاب بأنه «لا يوجد عدد معيّن، فنحن لا نستطيع أن نفرّق بين الكوادر، فجميعهم مناضلون، ومَن ليس مفرّغاً من حقّه الحصول على هذه الدفعة». وأشار أبو النجا إلى أنّ «أزمة الكادر غير المفرّغ يجب أن تُحلّ، خاصة أن كثيرين منهم جاؤوا في مؤتمرات حركية، فكيف يُنتخب لقيادة منطقة وما معه ياكل؟ (..) هذا واجبنا تجاه الكادر».

أموال «فتح»
ووفقاً للمغربي، فقد ردّ القيادي «الفتحاوي»، حسين الشيخ، على مطالبة مستفيدي الشؤون بتوضيح في شأن مستحقّاتهم، بقوله: «هذه أموال فتح، وليست لأحد علاقة بكيفية صرفها». ويُشير المغربي إلى أنّ وزارة التنمية الاجتماعية تبرّر دائماً وقف صرف مستحقّات هؤلاء، بوقف الاتحاد الأوروبي تمويله للسلطة منذ عامين، علماً أن تقليص مساعداتهم بدأ منذ عام 2017، فضلاً عن أنّ الاتحاد لا يساهم سوى بـ 40% من فاتورة مستحقّاتهم، فيما تتكفّل السلطة بتغطية 60% منها. ويرى مراقبون أن السلطة تحاول، من خلال المساعدات الطارئة لـ«فتحاويّي غزة» على حساب الفقراء، استمالة هذا الكادر الذي همّشته طوال 15 عاماً وحرمته من الوظائف، فضلاً عن أنها ساهمت في إفقار الموظفين منه عبر الخصومات العقابية من رواتبه، خصوصاً على أبواب تعديل وزارة منتظَر الشهر المقبل في حكومة محمد اشتية، سيكون لحسين الشيخ، على الأرجح، نصيب منه.
بدوره، يَعتبر صُهيب زاهدة، وهو ناشط ضدّ الفساد، أن «السلطة تُزاوج في عملها بين التنظيم والحكومة، وبات ذلك واضحاً من خلال صرف المال العام لأبناء وكوادر الحركة من دون النظر إلى مُعاناة المواطنين، وعلى رأسهم منتفعو الشؤون الاجتماعية الذين لم يتلقّوا مُخصّصاتهم منذ نحو 16 شهراً على التوالي». ويَلفت زاهدة إلى أن ثمّة جملة إجراءات حكومية، يغطّيها رئيس السلطة بقرار «منع الاطّلاع»، من ضمنها ما يتعلّق بمصادر الأموال وآليات صرفها، وأخرى تتّصل بالمصاريف الخارجية. وهنا، يعلّق الناشط بأن «منع الاطّلاع على أوجه الصرف يُدلّل على وجود فساد، وعدم نزاهة وشفافية في صرف الأموال»، مضيفاً أنه «لا أحد يعلم أين وكيف تُصرف الأموال العامة، ولا أحد يعرف بها، وهي عُزّزت بقرارات وقوانين الرئيس». ووفقاً لتقارير من مؤسّسات أهلية، فقد صرفت السلطة في بند المصاريف الخارجية نحو 16 مليون شيكل بشكل سنوي، لصالح السفارات والبعثات الفلسطينية حول العالم، والتي تُقدَّر بـ95 بعثة، على رغم تلقّيها رواتب من السلطة.
وفي خطوة أخيرة حاولت من خلالها وزارة التنمية ذرّ الرماد في العيون، أعلن مجدلاني صرف مساعدات نقدية بقيمة 700 شيكل لمصلحة 12 ألف أسرة فقيرة في القطاع، عبر البنك الدولي. وفي هذا الإطار، يبيّن المغربي أن «المساعدات التي أعلن عنها مجدلاني ليست لها علاقة بمنتفعي الشؤون الاجتماعية، إنّما كشوفات ما يسمّى الأسر النووية الفقيرة (...) مجدلاني يرى فينا متسوّلين نسيء لشخصه ووزارته لأنّنا نطالب بحقوقنا».