تضارب التأويلات الدستورية لقرار سعيد حلّ البرلمان
ومن هنا، يتقدّم سؤال: مَن استدرج مَن؟ هل جرّت «النهضة» سعيد إلى إعلان حلّ البرلمان، وبالتالي إجراء انتخابات تشريعية في غضون تسعين يوماً، أم أن الرئيس هو الذي انتظر حدثاً يسند إليه مشروعية ما في قرار الحلّ، من دون أن يكون ملزَماً باتّباع روزنامة التسعين يوماً؟ بالنظر إلى قرار سعيد، يتّضح أن هذا الأخير لم يتحدّث عن رزنامة، واستند في إعلانه إلى الفصل 72 من الدستور، والذي ينصّ على أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدتها يضمن استقلاليتها واستمراريتها ويسهر على احترام الدستور». وبذلك، لم يستند سعيد إلى أحكام التدابير الاستثنائية التي تفرض عليه الإعلان عن رزنامة انتخابية جديدة، وهو ما فتح الباب على تأويلات دستورية متضادّة. ولكن أقربها إلى المنطق يبدو ذلك الذي ساقه فقهاء قانون بعيدون عن الفريقين، باعتبارهم أن البلاد خرجت منذ 25 تموز عن المسار الدستوري أصلاً، وأن لا معنى لاتّهام سعيد بتأويل فصل معيّن أو التلطّي خلف فصل آخر لرسم السيناريوات التي يريد. ويؤكد هؤلاء أن البلاد يَحكمها اليوم منطق موازين القوى، الذي لا يزال اليوم مائلاً إلى صالح سعيد، في ظلّ موقف «الاتحاد العام التونسي للشغل»، وعدم تمكُّن المعارضة من خلق كتلة ذات وزن. إلّا أن الواقع المتقدّم لا يمنع إمكانية إبقاء الضغط مُسلّطاً على سعيد من أجل الشروع في حوار وطني حول النظام السياسي والقانون الانتخابي، تكون نتائجه الخطوط العريضة لأيّ إصلاح سيُعرض على الاستفتاء الشعبي في نهاية السنة الحالية.
بالنتيجة، لا يبدو أن سعيد سيتراجع عن المسار الذي خطّه، ولا سيما في ظلّ موقف «اتحاد الشغل»، الذي وإن كان يعارض استفراد الرئيس برسم مسار المرحلة المقبلة، إلا أنه يرفض بشكل قاطع عودة منظومة «النهضة» وحلفائها، ويدعو إلى محاسبتها. ولذا، لم تُخفِ قيادات الاتحاد احتفاءها بإعلان حلّ البرلمان، فيما أضحى النواب متّهمين لدى «الفرقة الوطنية لمكافحة الإرهاب» في «قضايا تكوين وفاق يهدّد سلامة الدولة ووحدتها».