بغداد | لم يَعُد من خيار أمام القوى السياسية العراقية، بعد سقوط رهان التحالف الثُّلاثي، على إنتاج حُكم جديد تحت عنوان «حكومة غالبية وطنية»، سوى العودة إلى التوافق، وإن بصيغ مختلفة عمّا كانت عليه الحال في الحكومات السابقة، بفعل استخدام قوى الأقلية، الثُّلُث المعطّل، في نسف جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولكنّ زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الذي يشعر بتلاشي فرصته لحُكم البلاد، عاجَل هذا الطرح بتغريدة قاطعة، مُعلناً «(أنني) لن أتوافق معكم. لا للتوافق بكلّ أشكاله. فما تسمّونه بالانسداد السياسي أهون من التوافق معكم وأفضل من اقتسام الكعكة معكم»، مضيفاً أن «الوطن لن يخضع للتبعية والاحتلال والتطبيع والمحاصصة». غير أن الواقع هو أن مشروع التحالف الثُّلاثي للاستئثار بالحُكم هو الآخر وصل إلى طريق مسدود، مع كلّ ما يمكن أن يفضي إليه من مشاريع خطرة على العراق، من خلال تشجيع الميول الانفصالية لآل بارزاني في كردستان، وتآمرهم على وحدة البلاد من بوّابة علاقاتهم القديمة مع العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وتركيا، والاستجابة للنزعات التخريبية لدى حلفاء الخليج وتركيا في «تحالف السيادة» بقيادة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر. هذا فضلاً عن أنه ليس من الديموقراطية في شيء، الحرَد إذا ما عمد فريق يشعر بأنه غُبِن في الانتخابات النيابية الأخيرة، إلى استخدام الثُّلُث المعطّل لمنع استبعاده كلّياً من دائرة القرار، وهو يمثّل فئات أساسية من الشعب العراقي؛ فهذه أداة دستورية مشروعة، وإلّا لَما نصّ عليها الدستور.رُفعت الجلسة بعد حضور 178 نائباً من أصل 329 عضواً في مجلس النواب، أي أقلّ بـ42 نائباً من نصاب الثلثَين. وينصّ الدستور العراقي، في المادة 72 ثانياً، على انتخاب رئيس الجمهورية الجديد خلال 30 يوماً من أوّل انعقاد للمجلس، وبما أنه أُعيد فتح باب الترشيح للرئاسة بقرار من مجلس النواب في السادس من آذار الماضي، اعتُبر هذا التاريخ بداية مهلة الـ30 يوماً. وعليه، يَدخل العراق في فراغ رئاسي اعتباراً من السادس من نيسان المقبل. ويقول الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، لـ«الأخبار»، إنه «إذا تجاوَز المجلس هذه المهلة من دون انتخاب رئيس، سنكون أمام فشل غير قابل للحلّ. وربّما يتمّ حلّ البرلمان بطلب من ثلث الأعضاء أو من رئيسَي الجمهورية والوزراء معاً، وموافقة الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء وفق المادة 64 من الدستور، أو استفتاء المحكمة الاتحادية العليا لمعرفة المَنْفذ الدستوري. وربّما نكون أمام انتخابات مبكرة جديدة، وتستمرّ الحكومة الحالية بتصريف الأمور اليومية».
فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس يعني عملياً إدخال البلاد في أزمة دستورية قد تطول


السؤال المطروح حالياً هو هل سيبقى التحالف الثُّلاثي على تماسكه بعد فشله في تحقيق أهدافه؟ الجواب يكمن في نسيج التحالف نفسه الذي شكَّل بالنسبة إلى أطرافه الثلاثة تحالف ضرورة، يريد كلّ منها تحقيق مجموعة من الأهداف من خلاله، إلّا أنها تلتقي عند هدف أساسي، تقاطعت معها عليه قوى إقليمية ودولية، وهو تقليص النفوذ الإيراني في العراق، على رغم أن أطراف «الثُّلاثي» ليست حليفة طبيعية بعضها مع بعض. فـ«الحزب الديموقراطي الكردستاني» يخشى النزعة الانفرادية في الحُكم التي استعجل الصدر إظهارها، ولكنه مستعدّ لها إذا كان الثمن غضّ النظر عن ميوله الانفصالية وعلاقاته مع إسرائيل وإضعاف «الاتحاد الوطني الكردستاني» المنافس، وهذا ما كان سيحصل عليه لو نجح التحالف. ومن جهته، يسعى «تحالف السيادة» لإعادة توزيع السلطة بين المكوّنات العراقية، وهو هدف يتحقّق جزء منه بمجرّد انشطار المكوّن الرئيس إلى نصفين، كما يحدث حالياً. أمّا الصدر نفسه، فيريد حُكم العراق، حتى لو تحت ظلال هذه التحالفات لشريكَيه.
في المقابل، اعتبر رئيس «ائتلاف دولة القانون»، نوري المالكي، في تغريدة، أن «الإطار التنسيقي» والمتحالفين معه أكدوا قوّة الثلث الضامن في منع عقد جلسة يَعدّونها «خطيرة»، مُعلِناً إعداد ورقة للخروج من حالة الاختناق، بعدما تأكّد أن التحالف الثلاثي لم يتقدّم بمبادرة لإيجاد حلول واقعية تمنع العملية السياسية من الانهيار. لكنّ «التنسيقي» لا يملك هو المبادرة، وتبدو معارضته لحلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة، ناجمة عن أنه لا يزال لا يملك مشروعاً يجتذب من خلاله الناخبين، بعد فشل الحكومات التحاصصية بشكلها السابق. وهو إذ تَوحّد على إسقاط مشروع التحالف الثلاثي، فإنه لا يتّفق على الكثير، بل إن الخلافات بين مكوّناته، السياسية والشخصية، أكبر من أن يغطّيها أيّ شيء، وقد كانت هي السبب في سقوطه خلال الانتخابات الأخيرة. ربّما لو كانت الأمور بيد العراقيين أنفسهم لأمكن الحديث عن حلّ ممكن، يتمثّل في تنازلات متبادلة من الأطراف المختلفة تكون نتيجتَها صيغٌ أفضل للحكُم يستفيد منها الشعب العراقي، لكنّ للقوى الخارجية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات وتركيا، رأياً آخر، ومصالح أخرى، وهي لن تتخلّى عنها طوعاً.