مع هجوم «بني براك» أمس، يكون المشهد الفلسطيني أمام ثالث عملية نوعيّة في غضون أسبوع واحد؛ أوّلها في بئر السبع الأسبوع الفائت، وثانيها في الخضيرة أول من أمس، وآخرها قرب تل أبيب أمس. وخلّفت هذه العمليات مجتمعة، 11 قتيلاً إسرائيلياً، وعدداً من الجرحى بينهم مَن هم في حال الخطر، تاركةً العدو وأجهزته الأمنية في حالة من الصدمة والضياع، لاسيما وأن «رادار» جهاز «الشاباك» لم ينجح في كشف أو إحباط أيّ من العمليات الثلاث. وانهال مسؤولون أمنيون سابقون وحاليون في الكيان، بانتقادات شديدة على أداء الجهاز الذي ما فتئ يحذّر منذ أكثر من شهر من «التصعيد» المُحتمل في شهر رمضان وقبيله، وانعكست تحذيراته في أكثر من خطوة، شملت لقاءات على مختلف المستويات بين مثلث رام الله ـــ عمّان ـــ تل أبيب، لكن من دون أيّ نتيجة كما يبدو، حيث تمّت العمليات الفدائية بنجاح، سواءً تلك التي نفّذها أبناء المنطقة المحتلة عام 1948، أو عملية أمس التي نفّذتها – كما يبدو – خلية قادمة من الضفة الغربية.الصدمة الكبرى لدى قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أمس، مردّها تمكّن الشهيد من تنفيذ العملية، على رغم أن أجهزة العدو رفعت منذ أول من أمس حالة التأهّب في صفوف قواتها، وشنّت حملات اعتقال مختلفة طاولت «مشتبهين ومحتملين لتنفيذ عمليات»، في أكثر من منطقة في فلسطين، بينها أم الفحم وسخنين، انطلاقاً من توقّعات «الشاباك» بأن العملية المقبلة سينفّذها فلسطينيون من هذه المناطق. لكن الشهيد حمارشة، إبن قرية يعبد في قضاء جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، سواء وحده أو مع شركاء له، استطاع وسط كلّ إجراءات العدو، الدخول إلى المناطق المحتلة عام 1948، التي يحدّها جدار الفصل العنصري، ومن دون تصريح مسبق. وطبقاً لتقديرات مؤسسات العدو، التي نقلها المحلل العسكري ألون بن ديفيد، فإن الخلية تنتمي إلى حركة «الجهاد الإسلامي»، بينما جرى الحديث عن انتماء الشهيد حمارشة الى «كتائب شهداء الأقصى»، الجناح العسكري لحركة «فتح».
وفي التفاصيل، أشارت «القناة 12» العبرية إلى أن الشهيد المنفّذ استقلّ دراجة نارية، وأطلق النار في ثلاث مناطق مختلفة، بينها شارع «بياليك» حيث سقط ثلاثة قتلى، قبل أن يتّجه إلى شارع «هرتسل» في منطقة «بني باراك» مطلقاً النار، مُوقعاً قتيلَين إسرائيليين آخرين بينهما ضابط في شرطة العدو، ثمّ يصل أخيراً إلى شارع «مجاديم»، حيث أطلق النار مجدداً قبل استشهاده، علماً أن أشرطة مصوّرة من أكثر من منطقة أظهرته وهو يتنقّل راجلاً وليس على درّاجة نارية. وتداول نشاطون إسرائيليون وفلسطينيون، على منصّات التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو تظهر فيه مستوطنة إسرائيلية من مكان تنفيذ العملية، تتحدّث عن أن «المنفّذ طلب منها مع نسوة أخريات الابتعاد عن المكان»، وأنه «على ما يبدو كان لا يريد قتل نساء».
باركت فصائل المقاومة الفلسطينية العملية «البطولية» بينما دانها محمود عباس


في غضون ذلك، أجرى وزير أمن العدو، بني غانتس، تقييماً للوضع، بمشاركة رئيس الأركان، أفيف كوخافي، ومنسّق عمليات الحكومة في المناطق المحتلة، غسان عليان، ورئيس «الشاباك»، رونن بار، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ورئيس شعبة العمليات. وإثر العملية، أمر المفتش العام للشرطة، يعكوف (كوبي) شبتاي، برفع حالة تأهّب الشرطة الإسرائيلية إلى المستوى الأقصى، واستدعاء آلاف القوات في تعزيز لمهام تأمين المؤسسات والمحطات المركزية والأماكن المزدحمة. وهذه هي المرّة الأولى التي يأمر فيها بذلك منذ عملية «سيف القدس»، وهبّة الأقصى في أيار من العام الفائت. كما أوعز رئيس هيئة أركان الجيش، أفيف كوخافي، بتعزيز فرقة الضفة بأربع كتائب مقاتلة أخرى، ليصل مجموع التعزيزات الأخيرة إلى ثماني كتائب. أيضاً، من المُزمع أن ينعقد المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت) اليوم، لمناقشة موجة العمليات الأخيرة، طبقاً لما نقله المراسل العسكري، باراك رافيد. كما أعلنت سلطات العدو وقف العمل بتصريحات العمل الممنوحة للفلسطينيين في الضفة الغربية، للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
ومن جهتها، باركت فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة، العملية «البطولية»، واعتبرتها رداً طبيعياً على إجراءات العدو الاستيطانية والظالمة. كما خرجت عدّة مسيرات شعبية في الضفة الغربية، وتحديداً في بلدة يعبد ومدينة جنين، تأييداً للعملية الفدائية، وتأكيداً على خيار المقاومة. أما رئيس سلطة رام الله، محمود عباس، فقد دان الهجوم، وأكد في بيانه أن «مقتل مواطنين إسرائيليين وفلسطينيين لن يؤدّي سوى إلى تدهور الوضع، حيث إن الجميع معنيٌّ بدعم الازدهار، وبشكل أساسي على خلفية حلول رمضان والأعياد اليهودية والمسيحية المرتقبة». وحذّر عباس «من استغلال هذا الحدث لتبرير الاعتداء على فلسطينيين من قبل مستوطنين». وكان كشف أكثر من تقرير إسرائيلي، في وقت سابق، عن نيّة إسرائيلية لتأجيج التوتّرات الأمنية في الأراضي المحتلة عام 1948، عبر استغلال هذه الهجمات للزجّ بالتنظيمات الاستيطانية اليهودية، وخصوصاً في مدن الساحل الفلسطيني، في مواجهة الفلسطينيين هناك.