على مرّ السنوات الأخيرة من عُمر العدوان، خاضت قوات صنعاء مواجهات مفصلية استطاعت من خلالها قلْب المشهد الميداني لصالحها تماماً، مُثبّتة واقعاً بات متعذّراً على الأطراف جميعها تجاوزه. وبإلقاء نظرة سريعة إلى خارطة توزّع القوى بعد سبعة أعوام من الحرب، تتّضح، بجلاء، غلَبة كفّة الجيش اليمني و«اللجان الشعبية»، على رغم أن القوى الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي لا تزال تسيطر على بعض المناطق ذات الأهمية، والتي تؤكّد قيادة حركة «أنصار الله» أنها لن تُترك وستُستعاد سلماً أو حرباً. وفي تفاصيل المشهد الميداني، يَظهر الآتي:صنعاء
مطلع عام 2020، نفّذت قوات صنعاء عملية «البنيان المرصوص» لتحرير مناطق نهم شرقي العاصمة، وتمكّنت من خلالها من تأمين صنعاء بشكل كلّي، ونقل المعركة إلى مشارف مدينة مأرب غرباً، وتحديداً إلى مديريات مدغل وأطراف رغوان، وأيضاً إلى محافظة الجوف، وانتهت إلى تحرير مساحة تُقدَّر بـ2500 كلم.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

الجوف
تُعدّ محافظة الجوف الحدودية مع السعودية من أكبر المحافظات الشمالية، إذ تبلغ مساحتها 39 ألفاً و400 كلم، وتكتسب أهمية عسكرية كونها تقع في محاذاة محافظات مأرب وعمران وحضرموت وصنعاء وصعدة. وعلى مدى سنوات العدوان، حوّلتها السعودية إلى خطّ دفاع أول عن منطقة نجران، كونها تمتدّ على طول الحدود السعودية بمسافة 266 كلم، الأمر الذي يجعل استهداف المملكة منها أسهل وأكثر مرونة مع وجود الأسلحة المناسبة لذلك. كما أنه بتحريرها تمّ الإطباق على مأرب من أكثر من اتجاه. وفي آذار 2020، تمكّن الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» من تحرير 70% من نطاق الجوف، بعدما استطاعا التقدّم من المحور الجنوبي، والسيطرة على مديريات الحزم والمصلوب والغيل والخلق والمتون، إضافة إلى العقبة، وصولاً إلى خب والشعف. وفي حزيران 2021، نفّذت قوات صنعاء عملية «الشهيد طومر» لتتمكّن من السيطرة على سلسلة جبال الدحيضة الاستراتيجية الواقعة في النطاق الجغرافي لمديرية خبّ والشعف ومحيطها في جبهة المزاريق، والتي تطلُّ على الأراضي السعودية. وفي أواخر كانون الأول الفائت، استكملت تحرير المناطق المأهولة كافّة، بعدما سيطرت على معسكر الخنجر ومِن بَعده مدينة التيمة وما جاورها من مناطق ومعسكرات، ليتمّ التمدّد على طول الحدود الرابطة بين الجوف ونجران. وبهذه العملية، التي أُطلقت عليها تسمية «فجر الصحراء»، تمكن الجيش و«اللجان» من السيطرة على مناطق واسعة ما بين الجوف ومأرب، وصولاً إلى جبهة العلمَين الأبيض والأسود الواقعة شمالي مأرب، والقريبة من قاعدة الرويك العسكرية شمالي منطقة صافر. واستكملت قوات صنعاء، الشهر الفائت، سيطرتها على سلسلة تباب الربعة ومعسكر طيبة الاسم، أحد أهمّ المعسكرات الصحراوية التابعة للتحالف السعودي - الإماراتي، كما على سلسلة تباب القذاميل، والقاهرة، والرملة السوداء، وجبال الأمهور، في آخر مناطق الجوف الواقعة قبالة نجران.
حتى الآن، تمّ تحرير 12 مديرية في مأرب من أصل 14، فيما لم يتبقّ سوى المدينة نفسها والوادي فقط


مأرب
تُعتبر محافظة مأرب ذات أهمية استراتيجية في حسم وُجهة الحرب، وبمثابة المعقل الأخير لحكومة عبد ربه منصور هادي، وهي تحتلّ موقعاً جغرافياً يجعلها تتوسّط 6 محافظات، 3 منها نفطية وهي الجوف وحضرموت وشبوة، و3 أخرى هي صنعاء وعمران والبيضاء. وعلى مدى السنوات الماضية، حوّلها «التحالف» إلى منطلق للهجمات على صنعاء والبيضاء والجوف، واتّخذها منذ بداية عدوانه نقطة للتقدّم إلى مديرية نهم، وبذل أقصى جهده في محاولة الوصول منها إلى العاصمة، كما جعل منها خطّ دفاع أوّل عن مصالحه في حضرموت وشبوة. وحتى الآن، تمّ تحرير 12 مديرية في مأرب من أصل 14، فيما لم يتبقّ سوى المدينة نفسها والوادي فقط. ومنذ مطلع نيسان 2021، بدأت معركة مأرب، وتقدَّم الجيش و«اللجان» في المرحلة الأولى منها قرابة 600 كلم، في عملية أُطلق عليها اسم «البأس الشديد»، استمرّت لعدّة أشهر، وبدأت بتحرير مديرية مجرز، فالسيطرة على معسكر الجفرة والمناطق المحيطة به، وصولاً إلى محيط معسكر ماس، ثمّ تمّ التقدّم من اتّجاه المخدرة والسيطرة على عشرات المواقع، بعد إسقاط جبل هيلان ومنطقة الكسارة، لتصل طلائع قوات صنعاء إلى المشارف الغربية والشرقية الغربية لمركز المحافظة، وتُطوّقه من أكثر من مسار، إثر انتزاعها مناطق واسعة في مديرية رغوان شمالي المدينة، وتقدّمها في جبهتَي غرب مأرب وشمال غربها، وتموضعها في الطلعة الحمراء وشرق منطقة العطيف، وتمدّدها حتى تُبّتَي الشهداء والقنّاصين، اللتين تبعدان 3 كلم من جبل الأخشر المطلّ على الأحياء الشمالية الغربية لمركز المحافظة. وفي جنوب المحافظة، تسيطر قوات صنعاء على مديرية عين التابعة لشبوة، ومديريات حريب والعبدية والجوبة وجبل مراد، وتتموضع في المدخل الجنوبي لمدينة مأرب في البلقَين الشرقي والغربي، وتمتدّ سيطرتها إلى عرم سدّ مأرب، كما تتواجد في مناطق استراتيجية كمنطقتَي النقعة العليا والأعيرف في اتجاه جنوب غربي منطقة الفلج، جنوب مركز المحافظة.

البيضاء
تُعدّ محافظة البيضاء واحدة من أهمّ المحافظات اليمنية لتموضعها وسط البلاد، وهي توصف بـ«قلب اليمن» كونها تتوسّط سبع محافظات، فتحدّها من الشمال أجزاء من مأرب وشبوة، ومن الشرق أجزاء من شبوة وأبين، ومن الجنوب أجزاء من أبين ولحج والضالع، ومن الغرب أجزاء من الضالع وإب وذمار. بدأت عمليات تحريرها مطلع عام 2015، باستعادة رداع وعدد من المديريات، مع تحييد مديريات أخرى. وخلال شهرَي تموز وآب الماضيين، حاول «التحالف» إحداث اختراق عسكري في المحافظة من اتّجاه المناطق المحاددة للحج، وتحديداً مديريات يافع الحد، فكان الردّ بتحرير البيضاء عبر ثلاث عمليات عسكرية أُطلقت عليها تسمية «النصر المبين»، وأدّت إلى استعادة مديريتَي الزاهر والصومعة، فضلاً عن مديريتَي نعمان وناطع، قبل أن تتبعها عملية «فجر الحرية» التي أمّنت المحافظة بالكامل من تنظيمَي «داعش» و«القاعدة» في مديريات الصومعة ومسورة ومكيراس، غرب البيضاء وجنوبها، ليصل الجيش و«اللجان» إلى عقبة القنذع المطلّة على مديريات بيحان التابعة لمحافظة شبوة.

الحديدة
تُعدّ محافظة الحديدة وميناؤها من أهمّ المحافظات اليمنية؛ فهي تحوي ثاني أكبر ميناء في اليمن (بعد عدن)، وتَدخل عبرها معظم الواردات من السلع الغذائية والنفط واحتياجات اليمنيين بنسبة تصل إلى 80%. ومنذ عام 2018، وقع قرابة 40% من مساحة المحافظة تحت سيطرة الميليشيات الموالية للإمارات، والتي وصلت إلى تخوم المدينة من الجهتَين الغربية والشمالية. لكن في مطلع تشرين الثاني الماضي، انسحبت تلك الميليشيات من بعض الأحياء الغربية والشمالية، وأخلت مواقعها في مديريات الدريهمي والتحيتا والجاح والفازة، وصولاً إلى محيط مدينتَي الخوخة وحيس جنوب الحديدة (على بعد 170 كلم من مركز المحافظة)، فيما لا تزال تتموضع في الخوخة وأجزاء من حيس ويختل.

باب المندب
تقع جبهة باب المندب غرب تعز وجنوب الحديدة، وتُعدّ من بين الأهمّ كونها تطلّ على مضيق باب المندب، وهي تقع تحت سيطرة الميليشيات المدعومة إماراتياً، والتي تتقاسم مديريات الساحل الغربي وأجزاء من حيس والخوخة ويختل والمخا وموزع، وجزر حنيش الصغرى والكبرى وجبل زقر، فضلاً عن جزيرة ميون الاستراتيجية.

الحدود الشمالية
حاولت السعودية، خلال السنوات الماضية، فرض منطقة عازلة بين اليمن والسعودية بحدود 20 كلم. وفي أواخر آب 2019، أعادت تفعيل محاولاتها تلك عبر التوغّل في وادي أبو جبارة، بهدف الوصول إلى قلب محافظة صعدة، إلا أن مساعيها انتهت بتوغّل الجيش و«اللجان» في العمق السعودي، على امتداد الشريط الحدودي في جيزان وعسير. كما فشلت السعودية، أخيراً، في مسعاها المتجدّد هذا في حرض.