من حيث لم تحتسب أجهزة العدو الأمنية والاستخبارية، جاءت الضربة الكبرى. فبعدما تحضّرت سلطات الاحتلال لأيام تصعيدية تمهّد لتصعيد أكبر خلال شهر رمضان المقبل، في الضفة الغربية والقدس على وجه الخصوص، وقعت العملية المزدوجة - دهسٌ ثم طعن -، في مدينة بئر السبع المحتلة، في منطقة النقب، جنوب فلسطين. وبحسب رواية وسائل إعلام العدو، فإن العملية بدأت في محطة وقود قريبة من مجمع تجاري في المدينة، حيث أقدم الشاب أحمد أبو قيعان (33 سنة)، من بلدة حورة في النقب، على طعن امرأتين، وبعدها قاد سيارته إلى مركز للتسوّق وسط بئر السبع، وواصل هجومه عبر طعن عدد من الأشخاص الآخرين. وأسفرت العملية عن مقتل امرأتين طعناً (35 سنة و40 سنة) ورجل في الخمسينيات (دهساً)، وآخر في الأربعينيات (طعناً)، فيما أصيبت امرأتان حالتهما بين المتوسّطة والخطرة. ونفّذ الشاب الفلسطيني عمليته، قبل أن يطلق مستوطنون النار عليه، ليسقط شهيداً وبيده سكّينه.وأتت هذه العملية «الأقسى في إسرائيل منذ سنوات»، كما وصفها المعلّقون الإسرائيليون، بعد يوم واحد من عقد الاجتماع الأول في مدينة بئر السبع، لما أطلق عليها المتطرّفون الصهاينة «سرية برئيل» (نسبة للقناص الإسرائيلي برئيل شموئيلي، الذي قُتل على حدود قطاع غزة في آب الماضي)، وهي نواة أولى لميليشيات مسلحة، يقودها ضابط الشرطة السابق كوهين ألموغ، من حزب «عوتصماه يهوديت»، الذي يرأسه عضو «الكنيست» المتطرّف إيتمار بن غفير، وتحوز على دعم من شرطة الاحتلال وبلدية بئر السبع، بهدف «إنقاذ النقب من مشكلة انعدام الأمن الشخصي». وربط بعض المعلّقين الصهاينة بين الإعلان عن هذه «السريّة المسلحة»، وبين هجوم الأمس، مشيرين إلى أن الهجوم قد يكون رداً أولياً عليها. وفي كلام مشابه، اعتبر نائب وزير الأمن الإسرائيلي، ألون شوستر، في مقابلة مع إذاعة الجيش أنه «يجب ألا ننسى أنه لعقود من الزمن، ارتكبت دولة إسرائيل أخطاء جسيمة في التمييز ضد الوسط البدوي (...) وحان الوقت للتواجد هناك». في المقابل، دان رئيس حزب «راعم»، منصور عباس، العملية، ووصفها بـ«الاعتداء الإجرامي». وبدورها، علّقت وزيرة الداخلية الإسرائيلية، أيليت شاكيد، على الهجوم، باعتبارها إياه «عملية فظيعة، القلب يبكي ألماً». وأثارت العملية صدمة عارمة في وسط الصهاينة، حيث رأى مراسل «القناة 14» العبرية أن «إسرائيل أكثر دولة غير آمنة بالنسبة لليهود، وللتذكير فإن المنظومة الأمنية وبخاصّة الشاباك، تفاجأوا بما حدث خلال حرب غزة». كما أشار أحد المعلقين إلى أنه «بالنسبة للشرطة، فإن عملية بئر السبع بمثابة كابوس تحقّق فعلياً».