دمشق | منذ إعلان واشنطن اغتيال زعيم تنظيم «داعش»، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي (عبد الله قرداش)، في الثالث من شهر شباط الماضي، بأسلوب «هوليودي»، وحتى الإعلان عن تنصيب زعيم جديد له (أبو الحسن القرشي)، تابع مسلّحو التنظيم هجماتهم وفق الآلية التي اتّبعوها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بعد سيطرة الولايات المتحدة والقوات الكردية (قسد) على آخر معاقله في منطقة الباغوز في ريف دير الزور في آذار من عام 2019، حيث اعتمد هؤلاء، أو مَن تبقّى منهم، على شنّ هجمات مباغتة من دون السيطرة على أيّ مكان بشكل جليّ، والعودة والاختباء في أماكن سرّية. هذه التكتيكات، التي نمت بوضوح خلال العام الماضي، وسط اتّهامات وجّهتها دمشق إلى واشنطن بتقديم الدعم لـ«داعش» الذي يتّخذ من البادية السورية المتّصلة بمنطقة التنف - حيث أكبر قاعدة أميركية في سوريا -، مأوى له، شكّل استمرارها مصدر قلق متواصل للسوريين. وما زاد يقين الأخيرين بوقوف الولايات المتحدة وراءها، أن مسلّحي التنظيم تابعوا نشاطهم على الرغم من تنفيذ القوات السورية والروسية عمليات عدّة في البادية، وأنّ هذا النشاط تزامن مع إعلان الأميركيين الإبقاء على قواتهم في سوريا بحجّة «محاربة الإرهاب»، على الرغم من إعلانهم السابق والمتكرّر القضاء على «داعش»، وما تلا ذلك من زيادة في نشاط خلاياه ونجاح عدد من قادة الصفّ الأول فيه من الفرار من سجن الصناعة في مدينة الحسكة، والذي كانت القوات الأميركية والكردية تحتجزهم فيه قبل الشهر الماضي.الزعيم الجديد للتنظيم، والذي أعلنت وسائل إعلام تابعة له أنّ لقبه «أبو الحسن القرشي»، هو، وفق ما نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر استخباراتية عراقية، شقيق الزعيم الأسبق (أبو بكر البغدادي - إبراهيم عواد)، وقد انتقل إلى سوريا ليتسلّم مهامه الجديدة في إدارة العمليات، وفق الهيكلية التي بناها الزعيم السابق، «أبو إبراهيم الهاشمي القرشي»، والتي تعتمد على منح صلاحيات مطلقة لقادة مجموعات صغيرة منتشرة في مناطق مختلفة بشنّ عمليات من دون العودة إلى القيادة، الأمر الذي أُطلق عليه «مبدأ اللامركزية» في شنّ الهجمات، على أن تتابع القيادة المركزية تلك العمليات وتقوم بنشر نتائجها بشكل دوري. وفي وقت لا تتوفّر فيه معلومات كافية ودقيقة عن الزعيم الجديد، اعتبرت مصادر سورية أن المدّة الطويلة التي استغرقها التنظيم في مبايعته (حوالى 40 يوماً) تكشف عن مباحثات خاضها قادته في ما بينهم لاختيار خليفتهم، والإستراتيجية التي يجب اتّباعها في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن عدداً من القادة تمكّنوا من الخروج من سجن الصناعة، وسط ترجيحات بأن يكون «أبو الحسن القرشي» من بينهم، وهو ما لا يمكن التأكّد منه في ظلّ التكتّم الأميركي حول هوية المعتقلين في السجون الكردية، وهوية المسلّحين الذين تمكّنوا من الخروج من السجن.
المدّة الطويلة التي استغرقها «داعش» في مبايعة زعيمه الجديد تكشف عن مباحثات خاضها قادته لاختيار خليفتهم


وعلى رغم شحّ المعلومات المتوفرة، رجّحت مصادر ميدانية سورية استمرار التنظيم في نهجه الحالي، محذّرة في الوقت ذاته من إمكانية رفعه وتيرة هجماته بهدف إشغال القوات السورية، وحتى الروسية، في عمليات متابعة ورصد مقاتليه في البادية، وهي عملية تتطلّب جهداً مستمرّاً، في ظلّ «حصول داعش على وسائل اتّصال حديثة تسلّمها من قاعدة التنف الأميركية»، وفق المصادر. كذلك، توفّر الآلية التي يتّبعها التنظيم في شنّ هجماته، وعدم تمركزه في منطقة واضحة كما جرى في الأعوام التي سبقت اغتيال «البغدادي»، حالة استمرارية له، ما يعني في المحصّلة استمرار ذريعة الولايات المتحدة لإبقاء قواتها، إضافة إلى عدم منح القوات السورية الفرصة لتوجيه ضربة قوية لـ«داعش»، أو تحقيق نصر واضح عليه، بما يخفّف من آثار العمليات العسكرية السورية والروسية، ويضمن استمرار الانشغال بالرصد في مناطق واسعة لا يمكن ضمان ضبطها، الأمر الذي يُحوّل المعارك إلى حرب استنزاف طويلة. أمّا في المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، والتي تشهد عمليات متفاوتة للتنظيم، تدور شكوك عديدة حول تعمّد الولايات المتحدة غضّ الطرف عن بعض الهجمات بهدف «الدعاية»، ولأسباب أخرى تتعلّق باستغلال العمليات الأمنية ضدّ «داعش» لإجراء عمليات تغيير ديموغرافية عن طريق استمرار مضايقة بعض المكوّنات في مناطق شرق الفرات بحجّة محاربة التنظيم، في وقت تشير فيه مصادر ميدانية إلى وجود اختراقات أمنية في بعض الحالات حيث يقوم مسلّحو «داعش» في ظلّ «اللامركزية» التي يتّبعها، بشنّ بعض الهجمات بشكل منفرد.
وأمام ما سبق، ترى المصادر السورية أن تسمية زعيم جديد للتنظيم وانتقاله إلى سوريا يأتي لأهداف دعائية تتعلّق بتأكيد استمراره، وتركيزه على سوريا التي يُتوقّع أن يعمد فيها إلى تكثيف هجماته في الفترة المقبلة، في ظلّ التوتّر الأميركي - الروسي المتزايد جرّاء الحرب الأوكرانية، الأمر الذي يعني رفع وتيرة حرب الاستنزاف القائمة.