بغداد | على رغم أنّ أحداً لا يقيم رابطاً بين العملية السياسية العراقية التي تراجعت وتيرتها أخيراً وبين حرب أوكرانيا، إلّا أن العراق، بوصفه دولة مفتوحة على التدخّلات الخارجية، سيتأثّر حتماً بما يجري هناك، لا كتأثُّر الدول الأخرى فقط، سواءً من حيث ارتفاع أسعار النفط الذي يريح البلد مالياً، أو نقص بعض المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، بل أيضاً من باب انعكاس الحرب على القوى المعنيّة بالشأن العراقي، ولكون هذا البلد جار سوريا، التي تنتشر فيها القوات الروسية، وكذلك القوات الأميركية التي تتعامل مع سوريا والعراق بوصفهما منطقة عمليات مترابطة. أصل الكلام عن انفراجة، والذي جاء من أطراف التحالف الثلاثي، يستبطن تهيّباً من الأخير لما يمكن أن ينجم عن حرب أوكرانيا، ولا سيما في حال تلقّي الأميركيّين الذين يوفّرون المظلّة السياسية للتحالف المذكور، هزيمة في تلك الحرب، أو إذا ما وفّرت أحداث بعيْنها فرصة لطهران لتوسيع نفوذها في المنطقة، مِن مِثل توقيع اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، أو حدوث تغيّر جوهري في موازين القوى في سوريا، سينسحب حتماً على العراق.في هذا الإطار، يتوقّع النائب عن «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، ماجد شنكالي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تكون هناك انفراجة قريبة جدّاً في مسألة انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة»، لافتاً إلى أنّ «للحرب بين روسيا وأوكرانيا بالتأكيد تأثيراً كبيراً على معظم الدول الإقليمية ودول العالم، وتأثيرها كان واضحاً على العراق بارتفاع أسعار المواد الغذائية. وأعتقد سيكون تأثيرها في الأسابيع المقبلة أكثر لأنّ الحرب ما زالت في بدايتها». إلّا أنه يَعتبر أنّ هامش «التأثير الخارجي على المشهد السياسي العراقي» بات أضيق، قائلاً إنه «ما زال هناك دور لأميركا وإيران في تشكيل الحكومة، ولكن بنسبة أقلّ». ويُشير إلى أنّ «التحالف الثلاثي مع الكتلة الصدرية وتحالف السيادة (الذي يضمّ محمد الحلبوسي وخميس الخنجر)، أظهر تماسكاً، وخاصة في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب وجلسة إعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وأعتقد أنه ماضٍ في اختيار رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة المقبلة، وبالتأكيد سيعمل خلال الفترة المقبلة على سيناريو جمع نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية»، الذي يجري تداول اسم القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، آريز عبد الله، كمرشّح لمنصبه خلَفاً لبرهم صالح المنتمي إلى «الاتحاد» نفسه، بسبب رفض «الديموقراطي» التجديد للأخير.
يستمرّ التوتر في محافظة بابل، بعد اعتداء حماية نائبة من «التيار الصدري» على ناشط مدني بارز


وبخصوص تشكيل الحكومة المقبلة، يقول شنكالي إن «الكثير من الأمور ما زالت غير واضحة، فهناك تأكيدات بمشاركة الإطار التنسيقي، ولكن مشاركة (زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري) المالكي من عدمها ستتضح خلال الأيام المقبلة»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «عدم إشراك المالكي ليس مشكلة كبيرة»، مذكّراً بأن «(زعيم التيار الصدري) السيد مقتدى الصدر كان واضحاً بأنه ليس ضدّ مشاركة ائتلاف دولة القانون، ولكن الحوار معهم من خلال شخص السيد (زعيم تحالف الفتح، هادي) العامري والإطار التنسيقي». لكن «التيار الصدري» يستعدّ لاستمرار الأزمة السياسية حتى لو جرى تشكيل حكومة، ولا سيما إذا استُبعدت منها أطراف وازنة في مجلس النواب. وفي هذا السياق، يَعتبر الأستاذ الجامعي، غالب الدعمي، القريب من التيار، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «الانسداد السياسي لن ينتهي حتى بعد تشكيل الحكومة، لأن الجهات التي لن تشترك فيها لها أجندة معيّنة تختلف عن أجندة أطراف سياسية أخرى». ويرى الدعمي أن «التحالف الثلاثي ماضٍ إلى الآن، ولكن ما زلت أتوقّع حصول بعض المفاجآت»، معرباً عن اعتقاده بأنّ «ائتلاف دولة القانون لن يكون له وجود في المستقبل. أتوقّع أن تصل بعض الأحزاب إلى العجز، ومنها ائتلاف دولة القانون، لأسباب كثيرة».
في هذه الأثناء، يستمرّ التوتر في محافظة بابل، بسبب إطلاق عناصر حماية النائبة من «التيار الصدري»، سهى السلطاني، النار على تظاهرة قادها الناشط المدني البارز في حراك تشرين، ضرغام ماجد، أمام منزل النائبة، في بلدة القاسم في ضواحي الحلة، احتجاجاً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، الأمر الذي أدى إلى إصابة أشخاص عديدين بينهم الناشط بجروح خطرة. ويصف النائب المستقلّ المنتمي إلى الحراك، سجاد سالم، في حديث إلى «الأخبار»، ما جرى بأنه «فعل إرهابي، واعتداء على متظاهرين سلميّين عزّل من السلاح، أقدموا على احتجاج مشروع»، لافتاً إلى أنه «على رغم قدرة الحركة الاحتجاجية على الردّ، لكنّنا دعونا إلى ضبط النفس من أجل تمكين الحكومة من القيام بمهامها، وبالتالي أن يخضع الأمر بالكامل إلى القضاء العراقي لمعاقبة المتّهمين»، مستدركاً بأنّ «الحكومة موقفها ضعيف، ولم يتمّ إلقاء القبض على المتورّطين بهذا الفعل». ويُشير إلى أنّ «الاتهام مُوجَّه بشكل كامل إلى التيار الصدري الذي يتعيّن عليه أن يبيّن موقفه ويوضح كلّ الملابسات، وأن يدين هذا الفعل سياسياً، ويقوم بالمحاسبة الداخلية».
ويوضح شاهد العيان، محمد المسعودي، الذي كان مرافقاً للناشط المصاب خلال التظاهرة، أنّ ضرغام أعلن عن «جلسة شعبية تجمع بين نواب بابل والشعب البابلي» لتحقيق المطالب، على مواقع التواصل الاجتماعي، «وأبلغنا النواب في اتصال مباشر أو من خلال الإعلام بأنّنا سنتوجّه إلى منازلهم لتسليمهم الدعوة»، مضيفاً أنّ «الوفد بدأ قبل يومين بالتوجّه إلى النواب في مركز الحلّة، وسلّمنا الدعوة لنائبَين أو ثلاثة. توجّهنا بعدها إلى منزل النائبة سهى السلطاني عن الكتلة الصدرية لتسليمها دعوة مماثلة. مباشرة حصل إطلاق نار عشوائي من كلّ مكان. كانوا قد جهّزوا الكمين ونشروا أفراداً من حماية التيار الصدري». ويتابع أنه «تمّت محاصرة المتظاهرين، وجُرح كثيرون بالأسلحة البيضاء والضرب من دون رحمة ، ومنهم ضرغام ماجد الذي أصيب بنزيف حادّ مع كسرَين في الجمجمة، بالإضافة إلى كسور في كلّ مكان مع جروح».