غزة | لم تعصم رمزية خضر عدنان، وهو «مُفجّر معارك الأمعاء الخاوية» في سجون الاحتلال الإسرائيلي، الرجل من محاولة اغتيال، تعرّض لها عقب زيارته البلدة القديمة في مدينة نابلس، لتقديم واجب العزاء لعائلات الشهداء أدهم مبروك (الشيشاني)، ومحمد الدخيل، وأشرف مبسلط. إذ أقدم مسلّحون بزيّ مدني يتبعون جهاز المخابرات العامّة التابع للسلطة الفلسطينية، على إطلاق النار عليه، ما تسبّب بإصابة شقيق أحد الشهداء بجروح طفيفة، قبل أن يتحوّل الحدث إلى مسيرات حاشدة شارك فيها مقاومون ومطارَدون، عبّروا عن تضامنهم مع عدنان. «يريدون مني أن أصمت، أو أن ألاقي مصيراً كمصير الناشط نزار بنات... لن أصمت». بصوت يملأه الغضب، تحدّث الأسير المحرَّر والقيادي البارز في حركة «الجهاد الإسلامي» عن أهداف محاولة اغتياله، وهو الذي يمثّل اليوم أيقونة من أيقونات المقاومة، التي يخشى العدو من أن يتسبّب اغتيالها أو اعتقالها، بتفجير الأوضاع الأمنية في مدن الضفة ومخيّماتها.وفقاً لأحد المقرّبين من الشيخ، فإن الحكاية بدأت عندما استأذن عدنان من عائلات شهداء نابلس الثلاثة، بزيارتهم على رأس وفد من «الجهاد». وبعد تعبير العائلات عن ترحيبها به، أقدم خالد أبو حلاوة، وهو أحد عناصر جهاز المخابرات الفلسطينية، على إطلاق النار فوق رؤوس المشاركين في الاستقبال وبين أقدام شقيق الشهيد أدهم مبروك، ما تسبّب بإصابته إصابة طفيفة بشظايا الرصاص. المبرّر الذي ساقه المعتدون، الذين يحظون بغطاء تنظيمي من حركة «فتح»، هو «اتّهامهم من دون دليل» أحد عناصر «الجهاد» بـ»العمالة» والتسبّب باغتيال الشهداء الثلاثة في مطلع شباط الجاري. غير أن مصدراً قيادياً في «الجهاد» أكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن المزاعم التي ساقها المعتدون خالية من الصحة، وأن اسم «الأخ» الذي يتّهمونه بالعمالة، لم تَثبت عليه أيّ من تلك التهم. ويَعتبر المصدر ذاته أن «هؤلاء حاولوا اغتيال الشيخ خضر معنوياً، بملاحقته والتشهير بسمعته والتشكيك بوطنيته في مواقعهم الصفراء، وأخيراً طرده من جامعة النجاح، والتضييق على تحرّكاته من خلال مراقبته بعناصر أمنية بلباس مدني».
عقب محاولة الاغتيال، رفض عدنان الخروج من البلدة القديمة في نابلس، من دون حصوله على حقّه في ردّ اعتباره، لذا، ناشد الشيخ قيادات الفصائل الفلسطينية ونخب مدينة نابلس تسجيل موقف إزاء محاولة الاغتيال والتشويه التي تعرّض لها. وبعد مقاطع مصوّرة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حضر القيادي في «كتائب شهداء الأقصى»، المطارَد إبراهيم النابلسي، الذي حظي بشعبية كبيرة عقب استشهاد رفاقه وظهوره في جنازتهم، إلى الشيخ عدنان، واحتضنه أمام الجمهور وعبّر عن اعتذاره، قبل أن يتكفّل المئات من المواطنين باستكمال مشهدية ردّ الاعتبار، عبر تنظيم مسيرة حاشدة رافقته بهتاف المبايعة والتقدير، حتى مغادرته المدينة.
فصائل المقاومة كافّة، باستثناء «فتح»، أصدرت بيانات منفصلة دانت الاعتداء على عدنان


لكن المشهد لم ينتهِ عند هذه النقطة، إذ إنه وعقب ساعة من لقاء المطارَد بالشيخ، نظّم مجموعة من المسلحين الملثّمين التابعين لحركة «فتح»، يتوسّطهم النابلسي بنفسه، مؤتمراً صحافياً، ظنّه الجميع لتقديم اعتذار رسمي من عدنان، وحينما تلا الملثّم البيان، تبيّن أنه يحمل عبارات التخوين والاتهام بالعمالة وإثارة الفتنة بحقّ الشيخ. وفي ساعة متأخّرة من الليلة نفسها، تلقّى عدنان اتصالاً هاتفياً من النابلسي، أكد فيه الأخير أنه تعرّض للتضليل، إذ قدّم له عناصر من «فتح» بياناً يحوي عبارات الاعتذار من الشيخ، والتأكيد على وحدة الصف الوطني، فيما تلوا خلال المؤتمر الصحافي بياناً مغايراً، وجدّد موقفه المعلَن المساند لعدنان واعتذاره عن الحدث.
عمليات التضييق على حضور الشيخ اللافت في الضفة المحتلة، لم تبدأ ليلة السبت الماضي، إذ إن الاستهداف المعنوي لحضوره قديم قِدَم إضراباته المفتوحة عن الطعام. ويُعدّ الإضراب الذي خاضه عام 2012، وأجبر فيه مصلحة إدارة السجون الإسرائيلية على إطلاق سراحه تحت وطأة خطورة وضعه الصحّي، البداية الفعلية لمعارك الأمعاء الخاوية، فيما شكّل إضراب العام 2015، والذي تواصَل لـ56 يوماً، بداية تحوُّل الشيخ الشاب (43) إلى أيقونة وطنية شديدة التأثير في مشهدية الضفة المحتلة. ويقدّر مراقبون أن عدنان هو الشخصية الحزبية الوحيدة التي تمارس دوراً فاعلاً في تذخير حالة الاشتباك مع الاحتلال، فضلاً عن دوره في إعادة بناء المقاومة في جنين، وتوحيد أذرعها العسكرية تحت مسمى «كتيبة جنين - غرفة عمليات حزام النار»، التي تضمّ كلّاً من «سرايا القدس» و»كتائب شهداء الأقصى».

نهج جديد
فصائل المقاومة الفلسطينية كافّة أصدرت بيانات منفصلة دانت الاعتداء على عدنان، باستثناء حركة «فتح» التي التزمت الصمت، وهو ما يرى فيه الشيخ تبنّياً رسمياً لمحاولة إسكات صوته. إذ قال، في تصريحات صحافية، إن السلطة وأجهزتها الأمنية تحاول تغييبه عن المشهد ومنعه من التحدّث بالشأن الفلسطيني، مؤكداً أن ظهوره في مراسم تشييع الشهداء واستقبال الأسرى المحرَّرين «يغيظ الاحتلال ويؤرّق السلطة». ومن هنا، عدّ إطلاق النار عليه في نابلس «مصلحة احتلالية، لكن البعض الفلسطيني رضي تمثيل الاحتلال، وأن يكون يداً وقدماً له». وأضاف: «هذه الصورة اتّضحت أكثر عندما خرجت مجموعة مسلّحة تدّعي أنها من حركة فتح بمؤتمر صحافي تضمّن عبارات تخوين لي»، معتبراً ذلك إشارة مهمّة إلى أنهم يتبنّون الحدث «الشنيع».
من جهته، يرى الكاتب والمحلّل السياسي، ثابت العمور، أن محاولة الاغتيال هي «عملية مركبة تستهدف إشغال الناس وإلهاءهم، وتقديم أيّ قضية إشكالية تحمل طابعاً فتنوياً ليتوقّف الهجوم على السلطة، لا سيما في قضية اغتيال الناشط نزار بنات». غير أن الأهمّ من ذلك، بحسب العمور المقرّب من «الجهاد»، أن الاعتداء أعقب «بروز الدور الذي يؤدّيه الشيخ عدنان في إعادة بناء خلايا المقاومة في الضفة»، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»، أن «المقاومة التي بدأت تعيد ترتيب صفوفها، وتطلق النار على جنود الاحتلال، وتعمل في بيئة غاية في التعقيد ومحاصَرة بفضل الاحتلال وبفضل التنسيق الأمني، لا يمكن تركها تعمل من دون محاولات عرقلة كتلك». ويتابع أن «الاحتلال يعلم أنه لم يَعُد ممكناً إعادة اعتقال الشيخ، لأن هذا سيزيد المساحات التي يعمل فيها، وسيقود لمزيد من الالتفاف الشعبي حوله، ويعلم أيضاً أنه لا يمكن اغتياله علناً ولا حتى بطريقة مدبَّرة، لأن اغتياله سيفتح مرابض الصواريخ من غزة». ولذا، يعتقد العمور أن «الاحتلال سيعمد لإذكاء نار الخلاف الداخلي، عبر شيطنة الشيخ خضر، وصولاً إلى أحد هدفَين: إمّا إسكاته والحدّ من فعالية الدور الذي يؤدّيه، أو اغتياله داخلياً، لإشغال الفلسطينيين في أنفسهم، والتخفّف من عبء تكلفة عملية اغتيال كهذه».