تونس | بات الرئيس التونسي، قيس سعيد، في نظر كثيرين، متفوّقاً بسبب هُزال المعارضة وافتقارها إلى النضج وكثرة زلّاتها، والتي باتت تفُوق وفق مراقبين زلّات الرئيس نفسه، وهو ما يجعل قسماً وازناً من التونسيين غير معنيّين بالمواجهة الدائرة حالياً بين الطرفين. ولعلّ من مؤشّرات هذا التجاهُل ضعف المشاركة في الاستشارة الوطنية التي دعا إليها سعيد؛ إذ لم يصل عدد المشاركين فيها إلى الآن، بعد شهر على إطلاقها، إلى أكثر من 200 ألف. ويبدو ذلك نتيجة حتمية ومنطقية، للإحباط العام الذي يرافق كلّ محطة انتخابية في تونس. فبعد شحذ الهمَم والقيام بالواجب في الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، أُصيب التونسيون بحالة من الخيبة جرّاء ضعف أداء مَن اختاروهم. وما زاد الطين بلّة، الأداء الكارثي للبرلمان المنتخَب عام 2019، وخطاب العنف والكراهية والإفلات من العقاب. ومن هذا المنطلق، يكشف عدد العازفين عن التصويت، تلاشي الاعتقاد بقدسيّة حق الاختيار والمشاركة الانتخابية وإبداء الرأي في الشأن العام. كذلك، تُعدّ مقاطعة الاستشارة، التي يُفترض أن تشكّل الخطوة الأولى نحو صياغة الأفكار العامّة والخيارات التي سيُطرح بشأنها استفتاء لتغيير النظام السياسي وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وفق ما أعلنه الرئيس نهاية العام الماضي، رسالةً موجّهة إلى سعيد نفسه، بأن ما يطرحه من خطوط عريضة لتَبيُّن رأي الجماهير حولها، فاقد للمعنى، إذ لا يمكن تبويبه تقريباً وفقاً لأيّ من نظريات العلوم السياسية، أو حتى المبادئ العامة لدولة قانون ومؤسّسات على النحو الذي عرفه العالم. ومن هنا، يذهب كثر إلى التساؤل عن المغزى من طرح الاستشارة الآن، في الوقت الذي لم يشرح فيه الرئيس للتونسيين تصوّره للنظام السياسي، والنظام الانتخابي الذي سيتبنّاه، وطرق التمثيل الشعبية. أمّا خصوم سعيد السياسيون، فيرفضون الخطوة فقط باعتبارها تمثّل حلقة أخرى من حلقات تحييدهم عن المشهد، وهو ما يعني أنه لو حافظ القصر الرئاسي على منظومة الامتيازات والحصانة وتحالف الانتفاع المشترك الذي كان سائداً زمن «النهضة» وحلفائها في الحكم، لكان رأيها مخالفاً، وربما لكانت في واجهة مَن يروّج للاستشارة ويدعو إلى المشاركة فيها.
إزاء ذلك، انصرف القصر الرئاسي إلى طرق أقرب إلى البدائية من أجل الترويج للاستشارة، ولا سيّما أن الرئيس لا يعوّل على الإعلام، كما لا يمكنه المراهنة على نفسه أو على مستشاريه للحضّ على المشاركة، بالنظر إلى أن إخفاقه في ذلك سينعكس سلباً على شعبيّته، التي يستعملها كفزّاعة ضدّ الداخل والخارج، ولا يزال يجني من خلالها نتائج إلى الآن. ومن هذا المنطلق، استعمل سعيد أساليب بسيطة للتعريف بمشروعه، من السيّارات الجوّالة في الأرياف التي تدعو التونسيين إلى التصويت، إلى توفير العنصر المادي واللوجستي للأُمّيين الذين حال دون مشاركتهم عدم معرفتهم التقنية بملء الاستشارة عبر الإنترنت، وصولاً إلى تجنيد المحافظين والعُمد والمصالح الحكومية في سبيل التعريف بالأمر، وهو ما أظهر نوعاً من التخمة، من دون نتائج تُذكر. وفي النهاية، اضطُرّ القصر الرئاسي إلى ابتداع فتوى جديدة تسمح بمشاركة الأطفال في الاستشارة، بعد خفض السنّ القانونية إلى السادسة عشرة، بدل الثامنة عشرة، المتعارف عليها للأهلية القانونية، وهو ما ولّد انطباعاً بأن سعيد يراهن على أقلّ الفئات اهتماماً بالشأن العام من أجل ضخّ الدم في استشارته.