أن يجد مشروع تعديل قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية طريقه أولاً إلى أروقة مجلس الشعب، فيما لا يزال مشروع تعديل قانون الإعلام موضع تجاذبات منذ ثلاثة أعوام، فهذا يعني أنّ أولويّة الحكومة السورية اليوم هي «ضبط» موجة الانتقادات على الشبكة العنكبوتية، قبل أن تعطي موافقتها على تعديل بعض موادّ قانون الإعلام، والذي يبدو أنه لن يقدّم أو يؤخّر شيئاً، ما دام قرار تطوير الإعلام المحلّي لا يزال مؤجَّلاً. سريعاً، ظهر التوجّس الشعبي من مشروع تعديل قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، والذي لم يرَ فيه كثيرون سوى محاولة لـ«كمّ الأفواه»، وإسكات الأصوات المنتقِدة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وما عزّز تلك الهواجس، الصياغة الفضفاضة لبعض المواد المقترَحة في التعديل، وإيراد مصطلحات وعبارات - باتت تثير تطيُّر الشارع - قد تجعل مستخدمها وناشرها معرَّضاً للتهديد بالملاحقة والتوقيف في أيّ وقت. وتُضاف إلى ما تَقدّم، مخاوف الصحافيّين الذين لم تمنع ضمانات حمايتهم الصريحة الواردة في قانون الإعلام، من استدعاء بعضهم سابقاً للخضوع للتحقيق لدى فرع الجريمة الإلكترونية التابع لوزارة الداخلية، والحجّة وجود شكاوٍ بحقّهم أحالتها النيابة العامّة إلى الفرع! وعلى المقلب الآخر، يعتقد مؤيّدو مشروع تعديل القانون، أن تدخّل الدولة بات ضرورياً لوقف «الفوضى» التي تشهدها المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل، وما يترتّب عليها من نتائج سلبية على حقوق الأفراد والمجتمع، ولا سيّما في ظلّ ضخّ كمٍّ هائل من المعلومات، يتبيّن في العديد من المواضع أنها غير صحيحة، أو مُبالَغ فيها.
مصطلحات فضفاضة
للوهلة الأولى، يبدو مشروع القانون معنيّاً فقط بملاحقة الجرائم المتعلّقة بنُظم المعلومات ببُعدَيها التقني والفنيّ، كعمليّات القرصنة ونشر البرمجيات الخبيثة والاحتيال المعلوماتي، وغيرها. وما يعزّز هذا الانطباع أنّ الوزارة التي تقدّمت بالمشروع هي وزارة الاتصالات والتقانة، وأنّ تسميته الرسمية تتّسق وذلك (تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية). لكن، بالنظر إلى تفاصيل المقترح، يتبيّن وجود ثلاث موادّ ذات علاقة بمضمون المحتوى المنشور بواسطة وسائل التقانة، ما يعني أنه يطال أيضاً مستخدِمي الشبكة المتّهمين بمخالفة قواعد الاستخدام وتداول المعلومات ونشرها. على سبيل المثال، في المادّة الأولى المتضمِّنة تعريفات المشروع، يرِد نصّ سيكون في حال اعتماده كما هو، سبباً في تراجع المحتوى الإعلامي للكثير من الصحف الإلكترونية، وملاحقة الكثير من الصحافيّين والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي. إذ يُعرّف «معلومات الجهة العامة»، بأنها «المعلومات غير المعدّة للنشر، والمتعلّقة بإحدى الوزارات أو الإدارات أو الهيئات العامة أو المؤسّسات والشركات والمنشآت العامة، أو وحدات الإدارة المحلية، أو أيّ جهة عامة أخرى، أو المعلومات المحفوظة لديها». وبالتالي، فإن تسريب أيّ وثيقة أو معلومة حكومية غير مرغوب بنشرها، كالكتاب الأخير الصادر عن «اللجنة الاقتصادية»، والمتضمّن الشرائح المُقترَح رفع الدعم الحكومي عنها، يصبح عملاً يستوجب الملاحقة القانونية، إلّا إذا حدّدت الحكومة في التعليمات التنفيذية اللاحقة للقانون بعد صدوره، ماهيّة المعلومات غير المعدّة للنشر بشكل دقيق وواضح، وبما ينسجم مع قانون الإعلام من جهة، والحديث عن التوجّه لإعداد مشروع قانون يُلزم بنشر المعلومات وتسهيل الحصول عليها من جهة ثانية.
على أنّ الفقرة السابقة ليست الوحيدة الملتبسة، بل إن المادّتَين 22 و23 لا تقلّان عنها التباساً وخطورة. إذ تنصّ الأولى على «معاقبة كلّ مَن يقوم بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية أو إثارة الرأي العام، بالسجن المؤقّت من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات، وغرامة مالية من مليوني ليرة إلى أربعة ملايين ليرة»، فيما تنصّ الثانية على «معاقبة كلّ مَن قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أمر على الشبكة ينال من شرف موظف عام أو كرامته في معرض ممارسته لوظيفته، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامة مالية من خمسمائة ألف إلى مليون ليرة».
اقترح بعض أعضاء مجلس الشعب وضع تعريف محدّد لمصطلح «هيبة الدولة»، أو استبداله بمصطلح آخر أكثر وضوحاً

وعليه، فإن نشر معلومة، مثلاً، عن زيادة متوقّعة على الرواتب والأجور أو على أسعار السلع والخدمات، قد يجري التعامل معه حكومياً على أنه خبر كاذب تسبّب بإثارة الرأي العام. ثمّ ماذا يعني مصطلح «هيبة الدولة»؟ وما هو تعريف «شرف الموظّف»؟ يجيب عضو مجلس الشعب سابقاً، نبيل صالح، بأن «هذه العقوبات المبالَغ فيها، تُذكّرنا بمصطلح العدالة الإرتوازية لشيخنا الراحل محمد الماغوط، خاصة أن المشرّع لم يحدّد ما الذي يدخل في باب الرأي، وما الذي يدخل في حُكم الجريمة، حيث يعتمد الأمر على تأويل القاضي، من دون الأخذ بالحسبان أن التأويل قد قسَم أمّة محمد مِن قَبل». ويَعتبر صالح، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «هذا القانون وتعديلاته المطروحة، يرتقي إلى مستوى جريمة بحقّ حرية التعبير، ويتحدّى المُشرّع الذي وضع بنود الدستور السوري».

دور إيجابي
هكذا، تَحرف الحكومة مشروع القانون عن غايته المتمثّلة في ضبط الفوضى السائدة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتنظيم حرية التعبير وفق أطر قانونية لا تتعارض مع الدستور وحقوق الآخرين، إلى أماكن ليس فيها ما يضمَن عدم تعرُّض منتقدي السياسات الحكومية وظواهر الفساد للملاحقة، علماً أنّ الفترة السابقة أثبتت أنّ شبكات التواصل كان لها دورٌ إيجابي في معالجة العديد من الملفّات، بعد تسليط الضوء عليها وتحويلها إلى قضايا رأي عام. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإنّ «لجنة الإعلام في مجلس الشعب خصّصت أكثر من اجتماع لمناقشة المادّتَين المذكورتَين، ولا سيّما بعد اعتراض عدد من الأعضاء على الصياغة». وبناءً على ذلك، طُلب من الأعضاء تقديم مقترحات حول بعض التعديلات التي يمكن أن تُجرى على مسودة القانون المعروض عليها، كوضع تعريف محدّد لمصطلح «هيبة الدولة»، أو استبداله بمصطلح آخر أكثر وضوحاً، لا يفتح باباً للتفسيرات الخاصّة.