ومرّت قضية مياه النهرَين بمنعرجات عدّة، قبل أن تتوصّل سوريا إلى اتفاقية مع الجانب التركي عام 1987، تقضي بأن تسمح تركيا بمرور ما لا يقلّ عن 500 متر مكعب في الثانية، على أن تمرِّر سوريا ما لا يقلّ عن 58% من هذه الكمية إلى العراق، بموجب اتفاق لاحق تمّ توقيعه، وهو ما جرى العمل به فعلياً، وسط بعض التجاوزات الطفيفة التركية لأسباب تتعلّق بنقص مياه النهر صيفاً، حتى عام 2011. لكن عندما اندلعت الأزمة السورية، وانقطعت العلاقات بين دمشق وأنقرة، بدأت تركيا التلاعب بشكل كبير بكمّيات المياه، عن طريق خفض الكمّيات المرسَلة صيفاً إلى مستويات منخفضة جدّاً، وزيادة الكمّيات المرسَلة بشكل فجائي شتاءً، الأمر الذي شكّل تهديداً كبيراً على مجرى النهر والمنشآت المائية المُقامة عليه.
تُعتبر قضية نهرَي دجلة والفرات إحدى القضايا التي تستثمرها أنقرة بين وقت وآخر كورقة ضغط سياسية
وخلال العامين الماضيين، كثّفت كلٌّ من بغداد ودمشق اتّصالاتهما التي تكلّلت باتفاقية مشتركة بين البلدَين لـ«توحيد المواقف» والتعاون المشترك في جميع التفاصيل المتعلّقة بمياه النهرَين، اللذين أقامت عليهما تركيا سلسلة من السدود من دون الرجوع إلى سوريا والعراق، لتتولّى بغداد مسؤولية التواصل مع الجانب التركي. وفي هذا السياق، ذكرت مصادر عراقية أن أنقرة حاولت خلال المباحثات الالتفاف على مسألة التوصّل إلى اتفاق واضح، عن طريق التعذّر بعدم وجود ممثّل عن سوريا في هذه المفاوضات، الأمر الذي يفسّر زيارة الوزير العراقي لدمشق، وعقده لقاء مع وزير الخارجية السوري، الذي أبلغه قبول بلاده المشاركة، ما يعطي، وفق الوزير العراقي، دفعة قوية للمفاوضات. وفي وقت لم يحدَّد فيه بعد موعد اللقاء الثلاثي، يستعدّ العراق لإطلاق النسخة الثانية من «مؤتمر بغداد للمياه» في الخامس والسادس من شهر آذار المقبل، والذي ستشارك فيه سوريا بعد تلقّيها دعوة رسمية.
ويتزامن الانفتاح التركي على إيجاد صيغة توافقية مع العراق وسوريا، مع بروز توجّهات أنقرة الجديدة لاستيراد الغاز الطبيعي من العراق، والتي يبدو أنها دفعت الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى التحرّك بشكل جدّي لحلحلة الملفّ، عن طريق تعيين ممثّل خاص عنه في المفاوضات. ونقلت وسائل إعلام تركية عن إردوغان تأكيده طلب استيراد الغاز الطبيعي من رئيس «إقليم كردستان»، نيجيرفان بارزاني، الذي أبلغه أنه سيفعل ما بوسعه وسيبحث الموضوع مع الحكومة المركزية في بغداد.