نابلس | أثار اغتيال الشهداء الثلاثة في نابلس قلقاً إسرائيلياً من عودة "كتائب شهداء الأقصى" إلى الميدان في الضفة الغربية المحتلّة، إذ على رغم انتهاء الانتفاضة الثانية، وحصول معظم المطلوبين من الكتائب على "عفو"، وإنهاء ملفّاتهم الأمنية من جانب العدو، إلّا أن جيلاً جديداً من الشبّان المسلّحين يتسارع ظهوره في نابلس وجنين وعدد من محافظات الضفة. وفي هذا الإطار، يقول مراسل قناة "كان" الإسرائيلية، جال بيرغر، إن مسلّحي حركة "فتح" عادوا للظهور في المدن، وليس في بعض المخيمات فقط، بعد أن ظنّت إسرائيل أن هذه الظاهرة انتهت إثر الانتفاضة الثانية. ومن جهته، يَعتبر موقع "والا" العبري أن عملية نابلس "ليست حدثاً عادياً"، وذلك بسبب انتماء الشهداء إلى "كتائب شهداء الأقصى"، التي عملت السلطة الفلسطينية على إنهاء وجودها وضمان عدم عودتها خلال العقد الأخير، مُنبّهاً إلى أن انعدام ثقة الفلسطينيين بالسلطة قد يقود إلى عمليات إطلاق نار ضدّ أهداف إسرائيلية، وربّما يؤدّي إلى تصعيد المواجهة.
خلية نابلس
عبد الحكيم شاهين، هو شاب متديّن حافظ للقرآن، ومنتمٍ إلى حركة "فتح". تولّى مسؤولية التحدّث باسم مقاوِمي "خلية نابلس" حتى اعتقاله، فيما ظلّ هؤلاء يعملون بعيداً عن الأنظار حتى إبلاغ "الشاباك" الإسرائيلي لهم أو لعائلاتهم بأنهم مطلوبون. في فيديو شهير في ميدان الشهداء وسط نابلس، حضر عناصر الخلية جميعهم خلال معركة "سيف القدس"، وألقوا من خلْف اللثام بياناً عسكرياً حذّروا فيه العدو والمستوطنين، وتَقدّمهم لإلقاء البيان الأسير شاهين. ظَهر المطلوبون، أخيراً، في أكثر من مناسبة وهم يرتدون أعصبة على الرأس تحمل عبارة "كتائب شهداء الأقصى - مجموعات فهود الكتائب". ويمكن اعتبار هذه المجموعات امتداداً لمجموعات أخرى من زمن الانتفاضة الثانية، إذ إن مَن أسّسها وقادها هو الشهيد أمين لبادة داخل البلدة القديمة في نابلس، وهي عملت جنباً إلى جنب مع أجنحة عسكرية أخرى ينتمي أفرادها إلى حركة "فتح"، من بينها: "صقور فتح" التي قادها الشهيد أحمد طبوق ومِن بَعده ثمّة مسلّحون يتبعون لها، "كتائب العودة - طلائع الجيش الشعبي" التي قادها الشهيد مهند الغندور الملقّب بـ"الأردني"، و"فارس الليل" التي أسّسها الشهيد نايف أبو شرخ، وتولّى قيادتها لاحقاً الشهيدان فادي قفيشة وباسم أبو سرية "القذافي".
قدّمت "مجموعات فهود الكتائب" شهداء، ومن ضمنهم قائدها أمين لبادة، ونجحت كغيرها في استقطاب عشرات الشبّان خلال الانتفاضة الثانية، وتوقّفت علناً كغيرها عند انتهاء الانتفاضة عام 2008. وفي السنوات القليلة الأخيرة، عادت إلى الظهور الذي اقتصر على استقبال الأسرى المحرَّرين واحتفالات تأبين شهداء انتفاضة الأقصى، من دون الإقدام على عمليات ضدّ العدو. إلّا أنه خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة في أيار الماضي، يبدو أن مجموعة مقاومين قرّروا إعادة تفعيل "فهود الكتائب"، وتصعيد عملها ليستهدف العدو وحواجزه، ويتّضح هذا من أعصبة رأس ارتداها المقاومون، ومن بينهم الشهيد أدهم مبروكة "الشيشاني"، أثناء جنازة الشهيد جميل كيال قبل أشهر قليلة في نابلس. وتضمّ "خلية نابلس" التي يلاحقها العدو أكثر من عشرة مقاومين، أبرزهم: الشهداء الثلاثة الذين اغتيلوا الثلاثاء الماضي، إضافة إلى الأسير عبد الحكيم شاهين، والمطارَد الناجي من الاغتيال إبراهيم النابلسي، فيما ثمّة عدد آخر من عناصر الخلية ظلّوا ملثّمين، وبعضهم ظهر غاضباً مكشوف الوجه خلال جنازة الشهداء الثلاثة.
يمكن اعتبار «مجموعات فهود الكتائب» امتداداً لمجموعات أخرى من زمن الانتفاضة الثانية


وعلى رغم الدور المشهود للسلطة الفلسطينية في ملاحقة المقاومين، إلّا أن أجهزة أمنها تجنّبت مواجهة هذه الخلية سوى مرّة واحدة، عندما أطلق عناصر الأمن الرصاص وقنابل الغاز بكثافة خلال تشييع الشهيد جميل كيال، بعد ظهور مقاومين وإطلاقهم النار في الهواء - كطقس متّبع لتكريم الشهيد منذ الانتفاضة الثانية وحتى الآن -. ومن بين المقاومين الذين شاركوا في تلك الجنازة، الشهيدان أدهم مبروكة ومحمد الدخيل، إذ ظهرا بدون لثام، وحدث عقب إطلالتهما تبادل إطلاق نار من غير أن يؤدي إلى وقوع إصابات، لكنّ نابلس وقتها تحوّلت إلى ساحة حرب لساعات. وجدت السلطة الفلسطينية نفسها مجبَرة على عدم الدخول في صدامٍ مع مقاومي الخلية وغيرهم في البلدة القديمة في نابلس، لأن تجربة "الحلّ الأمني والعسكري" لكلّ قضايا المسلّحين ثبت فشلها، وسقط خلالها ضحايا من السلطة نفسها، وليس من جانب المطارَدين فقط، وإلى هذا السبب بالذات يعزو مراقبون إحجام السلطة عن الاصطدام بمقاومي الخلية مجدّداً بعد جنازة الكيال، على رغم امتداد مطاردتهم لتسعة أشهر.
وكان الشهيد أدهم مبروكة "الشيشاني" قد اعتُقل لدى أمن السلطة في سجن أريحا لثلاثة أشهر قبل عدّة سنوات - بتهمة حيازة سلاح -، وذلك في خضمّ الاشتباكات الداخلية بين السلطة ومسلّحين من "فتح" في البلدة القديمة، والتي أسفرت عن سقوط ضحايا من الجانبين، قبل أن يجري حلّها بعد اعتقال عدد من المسلّحين والنشطاء لعدّة أشهر. ويوم أمس، نظرت محكمة بداية نابلس في قضية الشهيد مبروكة، وهي نفسها التي اعتُقل بسببها في أريحا. وقال سلطان صايمة، محامي الدفاع عن أدهم في جلسة المحاكمة: "لمّا اصطفى الله عز وجل أدهم ليكون شهيداً عنده، ولمّا كان خير الأعمال جهاداً في سبيل الله وتركاً للدنيا ومتاعها، وتضحية بالدم والمال والروح، فإن محكمة الدنيا لم تَعُد صاحبة ولاية في النظر بهذه الدعوى، لأن أدهم اصطفاه الله شهيداً، وأدعو المحكمة لقراءة الفاتحة على روح أدهم ورفاقه الشهداء"، وبهذا أسقطت المحكمة قضية محاكمة الشهيد.
هكذا إذاً، تصاعد نشاط "كتائب شهداء الأقصى" أخيراً، بمعزلٍ عن الوضع السياسي العام، وبشكل منفصل عن توجّه السلطة. ففي جنين مثلاً، أُعيد تفعيل "مجموعات الشهيد أمجد الفاخوري" التي تتبع الكتائب في بلدة جبع ومحيطها، إلى جانب "مجموعات حزام النار" وهي تشكيل مشترك أُعيد تفعيله، ويضمّ مسلحين من "كتائب الأقصى" و"سرايا القدس" في جنين ومخيمها. وبحسب مصادر متطابقة تحدّثت إلى "الأخبار"، فإن معظم التشكيلات العسكرية للمقاومة في جنين ونابلس لا تتلقّى أيّ دعم رسمي أو مالي، والدعم الوحيد لها فقط يأتي كلامياً عبر تصريحات ومواقف من الفصائل. وتضيف المصادر: "هناك مقاومون في جنين استشهدوا، كانوا يعملون نهاراً ليؤمّنوا أموالاً لشراء الذخيرة والاشتباك ليلاً، وعدد كبير من قطع السلاح الموجودة بأيدي المقاومين اشتروها بمالهم الخاص". ومن خلال المعطيات، يتّضح أن ما يجري هو حالة أشبه بـ"الاعتماد على الذات والخلايا المحلّية غير المنسَّقة تنظيمياً"، لكنها الفاعلة في تصعيد المواجهة ضدّ العدو، وتسخين الأوضاع الميدانية بوجهه، علماً أن عناصر تلك الخلايا كافة هم من الجيل الجديد، أي أنهم ولدوا في أيام "اتفاق أوسلو" أو إبّان الانتفاضة الثانية.