القاهرة | على رغم الإيجابية الظاهرية التي تسِم الأرقام الصادرة عن الحكومة بخصوص أداء الاقتصاد المصري حالياً، إلّا أنّ المستقبل القريب لا يبدو مشرقاً بالنسبة إلى المواطنين. ولعلّ ما يزيد الصورة قتامةً في عيون هؤلاء، هو أن الحكومة تستمرّ في معاملتهم وفق الأسعار العالمية، في حين تصرف الرواتب بالأسعار المحلية، الأمر الذي عمّق تدهور قيمة الحد الأدنى للأجور، رغم زيادته رقمياً اعتباراً من شهر تموز المقبل، بحسب قرارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة. وفي هذا السياق، وإثر تأخُّر دام شهراً، أُعلن قبل أيام عن زيادة في أسعار المحروقات، كان كشْفها أُرجئ إلى ما بعد ذكرى «25 يناير»، فيما لم تتّخذ الحكومة بعد قراراً بشأن تغيير سعر الصرف الدولار أمام الجنيه، والمستقرّ منذ نحو عامَين نتيجة قرار سياسي. صحيح أنّ البنك المصري أقرّ عام 2016 تحريك سعر الصرف ليكون حرّاً، ويتمّ تحديده وفق قواعد العرض والطلب في السوق، إلّا أنّ ما حدث بعد ذلك هو أن «المركزي» اضطرّ للتدخّل لإبقاء السعر مستقرّاً في مواجهة ضغوط التضخم، في حين سجّلت احتياطات البنك النقدية الدولية تذبذباً في الشهور الأخيرة، بعدما خرجت الأموال السائلة المستثمَرة في أصول الخزانة إلى أسواق تُوفّر فوائد أعلى. وجاءت تحذيرات وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، الشهر الماضي، لتؤكّد وجود مخاطر على الاقتصاد المصري؛ إذ نبّهت الوكالة إلى أنّ تصنيفاتها للبنوك المصرية، خصوصاً المتعلّقة بالتمويل والسيولة، قد تواجه ضغوطاً إذا استمرت الأصول الأجنبية في التراجع. وكان سُجّل تراجع في «صافي الالتزامات» بالعملة الصعبة في البنوك المصرية، وصل إلى نحو 112 مليار جنيه (7 مليارات دولار) بنهاية تشرين الثاني الماضي، وفقاً لبيانات البنك المركزي، في مقابل «صافي أصول» أجنبية بلغ نحو 107 مليارات جنيه في نهاية شباط 2021.
ستلجأ الحكومة إلى طلب قروض إضافية لمواجهة التحدّيات الاقتصادية الماثلة أمامها

يتحدّث السيسي عن بداية تلمّس آثار الإصلاح الاقتصادي، لكنّ الواقع لا يبدو داعماً لتلك الآمال. إذ إنّ تزايُد القروض على الحكومة في السنوات الماضية، سيجعل سدادها بفوائدها يلتهم نحو 40% من موازنة العام المالي المقبل (تبدأ السنة المالية في 1 تموز)، ما سيضطرّ السلطات لطلب مزيد من القروض، مع الاستمرار في سياسة ترشيد الدعم وتخفيض قيمته. ويبرز هذا الخطر في وقت لا يَظهر فيه أنّ الدولة تملك رؤية واضحة للتعامل مع المتغيّرات القائمة، وهو ما يدلّ عليه مشروع وزارة المالية للعام المالي المقبل، والذي أبقى على متوسط سعر برميل خام برنت عند 60 دولاراً، فضلاً عن الضبابية في كيفية التعامل مع عجز الموازنة. وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فقد كُلّف وزير المالية، محمد معيط، بمعالجة ذلك الخلل عبر عدّة سيناريوات، تتضمّن قروضاً بأشكال مختلفة، إضافة إلى عائدات عمليات طرح الشركات الكبرى التي تمتلكها الدولة.
وفي هذا الإطار، تكشِف المصادر أنّ الحكومة ستسرّع في برنامج الطرح المتعثّر منذ عامين، رغم أنها ستضطرّ أحياناً للتقييم بسعر أقلّ من السعر المستهدَف. كما ستقود تحرّكات على مستوى سياسي عالٍ من أجل الحصول على مِنح واستثمارات خليجية، علماً أنها لم تنجح حتى الآن في زيادة الاستثمارات التي لا تتجاوز في أفضل الأحوال 18% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما لا تزال تُسجّل عجزاً واضحاً في الموازين التجارية مع معظم الدول التي تجمع بينها وبين مصر تكتّلات اقتصادية، فضلاً عن إخفاقها في استيعاب عدد أكبر من الشباب الخرّيجين في سوق العمل، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة العاطلين، توازياً مع استمرار تراجع القدرة الشرائية عند المواطنين. أمّا «الكارثة الحقيقية في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الحالية»، فهي، وفق المصادر نفسها، «مرتبطة باعتماد الاقتصاد المصري على عائدات القطاع السياحي بشكل رئيس»؛ إذ على رغم ارتفاع تلك العائدات في الأشهر الماضية، إلّا أنّ خطر تراجعها نتيجة أيّ حادث بسيط، يظلّ قائماً، ناهيك عن المنافسة العالية التي يواجهها من دول أخرى مثل تركيا.