على رغم كثرة الضجيج الإسرائيلي - الأميركي حول الإمارات، لا يبدو أن الغَبرة ستنجلي عن أكثر من إمداد أبو ظبي بوسائل لاكتشاف التهديد، لا لاعتراضه، أقلّه في المدى المنظور، بالنظر إلى أن واشنطن وتل أبيب لا تملكان «الحلّ السحري» للخطر المحدق بحليفتهما. لكن اقتصار مظلّة الحماية، المَرجّوة إماراتياً، على هذا المستوى، من شأنه أن يدفع الدولة الخليجية، إلى تموضع غير مرغوب فيه إسرائيلياً، على رغم أن التقدير السائد إلى الآن لدى قيادة صنعاء وحلفائها هو أن الإماراتيين لا يزالون يراوغون ويحاولون كسْب الوقت، بدلاً من اتّخاذ موقف جدّي على طريق خروجهم من المستنقع اليمني، وفرملتهم التطبيع الأمني - العسكري
يزور وفد «برلماني» إماراتي برئاسة رئيس لجنة الدفاع والداخلية والخارجية في «المجلس الوطني الاتحادي» في أبو ظبي، علي راشد النعيمي، إسرائيل، في خطوة وُصفت بـ«غير المسبوقة والتاريخية»، تماماً مثلما وُصفت مِن قَبْلها زيارة الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، للإمارات، والتي لا تبدو مختلفة عنها، سواءً في الشكل أو المضمون أو أوْجه التوظيف ومستوياتها. وإذ لا تحمل زيارة الوفد الإماراتي جديداً خارج التأكيد أن العلاقة البيْنية مستمرّة، فهي لا تحسم الوُجهة النهائية لهذه العلاقة ومجالات تثميرها، بخاصة مع تصاعُد التهديدات المحدقة بالإمارات، والتي لا تجد الأخيرة لها إلى الآن حلولاً حاسمة.
وعلى رغم أن إسرائيل معنيّة بإدامة التطبيع مع الإمارات لذاته، ولِما يرتبط به مباشرة سياسياً واقتصادياً، وبوصْفه عاملاً إضافياً من عوامل استقرارها الإقليمي، إلّا أنها معنيّة أيضاً باستثمار هذه العلاقة بما يخدم مصالحها الأمنية في مواجهة أعدائها الإقليميين، سواءً كانوا دولاً أو جهات أخرى، مِمَّن هي قاصرة بذاتها عن مواجهتهم. في المقابل، تريد الإمارات تثمير العلاقة مع إسرائيل في اتّجاه إعلاء مكانة نظامها لدى الراعي الأميركي والغربي عموماً، بما يوفّر له مِنعة إضافية. إلّا أن أبو ظبي حريصة، في المقابل، على عدم استفزاز الجانب الإيراني إلى الحدّ الذي يدفعه بدوره للإضرار بها، مع إدراكها المسبق أن القدرة متوافرة لديه إن أراد.
ومن هنا، أثارت الهجمات اليمنية الأخيرة على الإمارات كثيراً من الأسئلة والتقديرات في إسرائيل، لعلّ أبرزها ما ذهب إلى إمكانية أن تركن أبو ظبي إلى الحياد القسري بمواجهة إيران، إن لم تصطفّ إلى جانب الأخيرة نفسها. أمّا العامل الفيصل في ذلك، فهو طبيعة المظلّة الحمائية التي ستوفّرها كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل لحليفتهما؛ إذ إنه كلّما كانت هذه المظلّة فعّالة، كلّما كان موقف النظام الإماراتي أكثر انزياحاً إلى حلفائه الطبيعيين. لكن، هل يمكن أن تتحقّق لأبو ظبي، بالفعل، مظلّة من هذا النوع؟ الإجابة هي في حدّ أدنى، غير يقينية، وتتداخل في تحديدها جملة عوامل، من بينها القصور والخشية من انكشاف عيوب القدرات الاعتراضية.
فإسرائيل، كما الولايات المتحدة، تخشيان هذا النوع من التهديدات، الذي لا تجدان حلّاً عملياً له، وهو ما أقرّ به عدد كبير من مسؤولي الجانبَين. والحديث هنا عن الصواريخ المجنّحة والطائرات المسيّرة الانتحارية، التي لا تُظهر الأنظمة الاعتراضية الخاصة بإسرائيل أداءً مغايراً إزاءها، عن ذلك الذي تُسجّله نظيرتها الأميركية المؤمَّنة فعلياً للإمارات. أمّا منظومة «القبّة الحديدية»، فهي مخصّصة لمواجهة صواريخ قصيرة المدى ومحدّدة المسار ومعظمها بدائي أو من طرازات قديمة جداً، فيما لم تُختبر تجاه تهديدات من النوع المذكور أعلاه. وحتى لو تمّ توريد منظومات دفاعية إسرائيلية للإمارات، فثمّة شكوك في أن تؤدّي المطلوب منها، بل قد تكون عُرضة لانكشاف أوجُه قصورها، وهو ما لا ترغب فيه إسرائيل لانعكاسه على صورتها لدى الأعداء.
وبناءً عليه، يُفهَم اقتصار النقاش، إلى الآن، على إمكانية إمداد الإمارات بمنظومات كشف التهديد، لا اعتراضه، وهو ما يظلّ دون المستوى الذي تتطلّع إليه أبو ظبي، وسيؤثّر دونما شكّ في موقفها. ولعلّ ما ورد على لسان رئيس الوفد الإماراتي إلى إسرائيل من أن «هذه الزيارة غير مُوجَّهة ضدّ ما يقال عن عدو مشترك»، وأنه «بدلاً من شيطنة إحدى القوى الكبرى في المنطقة، علينا التركيز على السلام بنظرة أعمق»، ينبئ بالكثير بخصوص الوُجهة الإماراتية المقبلة، أقلّه في ضوء المعطيات الراهنة.