القاهرة | على غرار معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يقود الإعلامي عبدالله الشامي والشاب المصري محمد سلطان معركة مشابهة ضد السلطات الحاكمة في القاهرة باستخدام السلاح نفسه، وهو الإضراب المفتوح عن الطعام، وذلك احتجاجاً على حبسهما احتياطيّاً لعشرة أشهر من دون الإفراج عنهما على ذمة القضية أو إحالتهما على محاكمة، وهو السيناريو نفسه الذي يعيشه الأسرى الإداريون في فلسطين المحتلة.
الشابان المضربان عن الطعام منذ 21 كانون الثاني الماضي، أحدهما يعمل مراسلاً لقناة «الجزيرة» القطرية وقبض عليه أثناء تغطيته فضّ اعتصام مؤيّدي الرئيس المعزول محمد مرسي، والآخر هو محمد سلطان الذي يحمل الجنسية الأميركية إلى جانب المصرية، وهو نجل القيادي في جماعة الإخوان المسلمون صلاح سلطان، وسجن بعدما دهمت قوات الشرطة منزله بحثاً عن والده الذي لم تجده، فاعتقلته من منزله برفقة اثنين من أصدقائه. وتؤجل جلسات عرض الاثنين على النيابة من دون إبداء الأسباب، ويجدد لهما الحبس الاحتياطي لمدة 45 يوماً.
وحازت قضية كل من الشامي وسلطان حملة تضامن واسعة مع انتشار صورهما عبر مواقع التواصل وهما في حالة إعياء شديدة. فقد ظهر مراسل الجزيرة وهو فاقد جزءاً كبيراً من وزنه كما على وجهه ملامح الإعياء، أما ابن القيادي الإخواني فكان محمولاً على أحد المقاعد المتحركة لعجزه عن المشي.
جهاد خالد، وهي زوجة الشامي، أعلنت من جهتها إضراباً مفتوحاً عن الطعام منذ أكثر من 40 يوماً، وتبعها كل من عضو هيئة التدريس في جامعة القاهرة د. ليلى سويف، ورئيسة مركز النديم لمعالجة ضحايا التعذيب د. عايدة سيف الدولة، لكن الأخيرة قررت فكّ إضرابها عن الطعام بعد 12 يوماً وبعثت برسالة اعتذار إلى المعتقلين قالت فيها: «أدركت أن ما يجري في غرف النيابة والمحاكم لا علاقة له بالقانون، بل هو قرار سياسي باستخدام القضاء إلى جانب الرصاص».
كذلك شكلت حركة «الحرية للجدعان» المهتمة بالدفاع عن قضايا المعتقلين لجنة خاصة للتضامن مع الشامي وسلطان. هذه اللجنة قدمت عريضة إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان وقّع عليها ما يزيد على مئة ناشط وصحافي، وتطالب المجلس بزيارة الشامي وسلطان في السجن، واصطحاب طبيب مستقل والضغط على الجهات المعنية للإفراج عنهما. لكن المجلس لم يجر الزيارة رغم حصوله على تصريح من النائب العام، وبرر ذلك في بيان له بـ«أن وزارة الداخلية لم تخطرهم بموعد الزيارة، رغم مطالبتهم أكثر من مرة بتحديد الموعد».
أما الداخلية فلا تزال تنفي أن الشامي وسلطان مضربان عن الطعام، وقال مسؤولون في الوزراة إنهما الاثنين يضربان عن الطعام الذي يقدم إليهما في السجن فقط، «لكنهما يشتريان طعاماً آخر من كافيتريا المعتقل». وفي 21 أيار الماضي، نشرت الصفحة الرسمية للداخلية على «فايسبوك» عدة صور للشامي وهو يتناول الطعام، ما دفع عائلته إلى ضرورة الكشف عن ملابسات التقاط تلك الصور، خاصة بعد زيارتها ابنها وتأكيده أنه لا يعلم أي شيء عن تلك الصور أو كيف التقطت. كذلك أكد الشامي لعائلته استمراره في الإضراب، خاصة أن إدارة السجن أغلقت الفتحة الوحيدة في شباك زنزانته وعزلته عن باقي زملائه.
في السياق، ذكر تقرير للجنة «تقصّي حقائق ما بعد 30 يونيو» أنهم وجدوا، خلال زيارة بعض أعضاء اللجنة الشامي وسلطان، بعض المأكولات، وفق قول رئيس لجنة التقصي عمر مروان الذي أشار إلى أن الشامي وقّع على محضر بفض إضرابه في 14 أيار، وأن الحالة الصحية له جيدة «لكنه في حالة تقليل طعام وليس إضراب كلي».
في المقابل، نفى مصعب الشامي، وهو شقيق عبدالله، ما ورد في تقرير اللجنة، مؤكداً أن شقيقه في إضراب كامل عن الطعام منذ أكثر من 130 يوماً، «ولم يحضر أحد من أفراد العائلة توقيع الكشف الطبي على أخي». كذلك نفت المتحدثة عن عائلة سلطان، سارة محمد، ما ورد في التقرير نفسه، مؤكدة لـ«الأخبار» أن حالته الصحية في تدهور مستمر، وأنه دخل في إضراب عن المياه أيضاً. وتابعت محمد: «سلطان فقد قدرته على المشي منذ 90 يوماً، ما دعا إلى نقله إلى العناية المركزة في المستشفى بعد تدهور مؤشراته الحيوية وإصابته بجلطات دموية على الرئة»، في حين أشار بيان للداخلية إلى أنه «حرصاً على سلامة المعتقل فقد نقل إلى العناية تحت حراسة مشددة».
العائلة عادت لتطالب برؤية التقارير الطبية الخاصة بابنها محمد والسماح لها بزيارته، وتوعّدت بالملاحقة القانونية للوزارة والنيابة العامة والمجلس القومي لحقوق الإنسان والسفارة الأميركية في حال أصاب نجلها أي مكروه.
ولا يقتصر الإضراب داخل السجون المصرية على الشامي وسلطان، فهناك عدد من السجناء يضربون عن الطعام لوقت ما، ثم يعاودون الإضراب من جديد تجنباً لتعسف إدارة السجن معهم، مثل الطالب إبراهيم اليماني الذي قبض عليه عقب فضّ اعتصام رابعة العدوية، ولا تزال النيابة تجدد حبسه احتياطيّاً. وأضرب اليماني عن الطعام 80 يوماً، ثم فك إضرابه لتدهور حالته الصحية، إلى أن عاود الإضراب في منتصف نيسان الماضي، وهو مستمر فيه لما يزيد على 43 يوماً في سجن وادي النطرون.
وتعليقاً على ذلك قالت ليلى سويف لـ«الأخبار»: «هناك موجة احتجاجات داخل السجون بسبب الأوضاع السيئة التي يعاني منها كل المحتجزين احتياطيّاً لمدد طويلة على ذمة قضايا، وجراء المعاملة السيئة ووضع أعداد كبيرة من المعتقلين داخل زنزانات ضيقة». وواصلت سويف حديثها: «هناك تعتيم على أخبار السجون التي يحدث فيها احتجاج أو يعلن أحد المسجونين إضرابه حتى يصل إلى حدّ منع الزيارة عن السجن بالكامل».
في الصدد نفسه، قالت عضو «الحرية للجدعان»، باهو عبد الله، إن «من الصعب حصر عدد المضربين عن الطعام داخل السجون، لأنهم يواجهون تعسفاً كبيراً من إدارة السجن في حال إعلان إضرابهم»، ذاكرة أن من إجراءات الإدارة بحقهم «رفض تحرير محاضر تثبت حالة إضرابهم عن الطعام ومنع ذويهم من الزيارات، ونقلهم إلى الحبس الانفرادي».