طرابلس | تبدأ العملية السياسية في ليبيا مرحلة جديدة، مع انعقاد جلسة مجلس النواب، غداً الخميس، لاختيار رئيسٍ جديدٍ للحكومة، تمهيداً لتسلّمه السلطة قبل نهاية آذار المقبل. ومن أبرز المهامّ التي ستُلقى على عاتق الحكومة الجديدة، إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية 2023، بناءً على التصوّرات الأولية لخريطة الطريق التي اعتمدها مجلس النواب. ولكن حتى الآن، تبدو تفاصيل المسار السياسي غامضة وملتبسة، وخصوصاً في ما يتعلّق بمهلة الـ 14 شهراً التي أعلنها البرلمان قبل إجراء الانتخابات، وهو ما يحتاج إلى تعديلٍ دستوريٍ، لم يتّضح موعده أو تفاصيله، حتى الآن. ومن المنتظر أن يجري التوصّل إلى الصيغة النهائية لخريطة الطريق الجديدة، بالتشاوُر بين مجلس النواب ومجلس الدولة، على أن تُعلن قبل أداء الحكومة اليمين. في هذه الأثناء، يمضي مجلس النواب في إجراءاته، بناءً على التفاهمات التي جرى التوصُّل إليها، بين رئيسه عقيلة صالح، واللواء المتقاعد خليفة حفتر، ووزير الداخلية السابق، فتحي باشاغا، بالإضافة إلى أحمد معيتيق. وحتى الآن، تسير الأمور كما خَطّط لها الثلاثي: صالح، حفتر وباشاغا، على أن يختار المجلس، غداً، رئيساً للحكومة من بين اسمَي باشاغا وخالد عامر البيباص، الذي يعدّ وجوده شكلياً من أجل استكمال المشهد الديموقراطي. وأفادت مصادر «الأخبار» بأن حكومة باشاغا باتت شبه جاهزة، وفق حصص متّفق عليها سلفاً، لافتة إلى أن هذا الأخير «وقّع إقراراً بعدم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة»، الأمر الذي لا يمنعه من الاستمرار في رئاسة الحكومة، إذا حصل على الموافقات اللازمة.
ويَنتظر باشاغا أن يجري اختياره لتولّي منصب رئاسة الحكومة، مستنداً إلى عاملَين: الأوّل، التفاهمات التي توصّل إليها مع أحمد معيتيق، الذي سحب أوراق ترشّحه لرئاسة الحكومة، في مقابل امتيازات أخرى حصل على وعود بشأنها؛ والثاني، قدرته على مواجهة رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، عسكرياً في طرابلس، في حال رفضه تسليم السلطة، بعد أداء الحكومة الجديدة اليمين، وذلك بالاستناد إلى سيطرة باشاغا على قرار مجموعة من الميليشيات. إلّا أن الدبيبة يعتمد، في المقابل، على أمراء الميليشيات المسلّحة في منطقة الغرب الليبي، بالإضافة إلى الموقف الدولي غير المحسوم تجاه حكومته، وخصوصاً البعثة الأممية بقيادة المستشارة ستيفاني وليامز. وعلى الجانب الآخر، يُعارض المجلس الأعلى للدولة انتخاب حكومة جديدة، تجنُّباً لإهدار الوقت، ورغبةً في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، بينما يُبدي مجلس النواب تفهّماً لبقاء «الأعلى للدولة» من دون المطالبة بتغييره، إذا وافق الأخير على إمرار الحكومة الجديدة.
أفادت مصادر «الأخبار» بأن حكومة باشاغا شبه جاهزة لتسلّم مهام عملها


وعلى المستوى الدولي، يرجع الصمت إزاء التطوّرات في ليبيا، إلى عدّة أمور، من بينها أن التفاهمات التي تجرى صياغتها بين الحلفاء المتناحرين سابقاً، تُمهّد لنشوء بيئة سياسية مستقرّة وموحّدة يمكن العمل عليها، إضافة إلى محاولات التسوية مع مختلف الدول، بما فيها تركيا التي أطلق البرلمان الليبي ضدّها تصريحات ومواقف عدائية مرات عدّة. فضلاً عن ذلك، تبدو صيغة التفاهمات الحالية أقرب الحلول السياسية الممكنة، مع استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية، بشكل نزيه وشفّاف، وعدم ضمان قدرة الفائز على إحكام سيطرته على كامل الأراضي الليبية. وحتّى رئيس الحكومة الحالي لا يستطيع اتّخاذ قرار للقتال دفاعاً عن منصبه، ليس فقط بسبب عدم الترحيب الدولي الذي سيقابَل به، ولكن لتواصل منافسيه بشكل منظَّم مع حلفائه. وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر «الأخبار» أن هذه الأجواء «تمهِّد لعملية سياسية أكثر استقراراً، في الإطار الشكلي، من دون إجراء انتخابات حقيقية».
أخيراً، في مقابل كلّ هذه التحرّكات، سيكون التركيز الأكبر، في الفترة المقبلة، على استكمال توحيد المؤسّسات الليبية المختلفة، وفي مقدّمتها الاقتصادية، ثمّ العسكرية، حيث يعكف البرلمان على صياغة ضوابط قانونية من أجل التعامل مع الميليشيات المختلفة، وأيضاً وضع المرتزقة. ومن أجل ذلك، سيكون على اللجنة العسكرية «5+5»، التي تواصل اجتماعاتها، تقديم المزيد من التنازلات لدمج العناصر المسلّحة في المؤسّسات الأمنية، وتنفيذ خطّة إجلاء المرتزقة، والقبول بتقنين وضع عددٍ منهم داخل الأراضي الليبية.