القاهرة | أثار الحكم القضائي بحق الناشط السياسي علاء عبد الفتاح وآخرين، وفيه حكم بالسجن 15 عاماً وغرامة 100 ألف جنيه مع وضعهم تحت المراقبة لمدة 5 أعوام، جدلاً كبيراً في أوساط من يحسبون على شباب الثورة، وقلقاً على مستقبل الحريات في مصر، مع بدء ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الحكم الذي صدر أمس في القضية المعروفة إعلامياً بـ«أحداث مجلس الشورى» يحتوي على تفاصيل كثيرة تكشف بوضوح التداخل بين ما هو سياسي ـ أمني، وما هو قضائي. وتروي منسقة حركة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» منى سيف أن قوات الأمن المكلفة تأمين جلسة النطق بالحكم التي عقدت في معهد أمناء الشرطة، رفضت السماح للمتهمين بدخول قاعة المحكمة (مقر أمني جهز ليكون محكمة) بحجة أنهم لم يحصلوا على تصاريح أمنية للدخول، «وهو أمر متعمد كي يصدر الحكم على المتهمين غيابياً».
وأضافت منى، وهي شقيقة عبد الفتاح، أن الجلسة عقدت قبل موعدها المعروف، مستطردة: «بعد صدور الحكم تحركت قوة من الشرطة وقادت علاء والناشط نوبي المتهم في القضية نفسها دون أن تخبرهما بالحكم الصادر عليهما، رغم أنه غيابي». ويسمح الطعن في الحكم الغيابي للقاضي بنظر الطعن، حتى لو كان في اليوم نفسه الذي أصدر فيه حكمه مع دفع الكفالة وإطلاق سراح المتهمين على ذمة القضية، ثم إكمال إجراءات المحاكمة الطبيعية، لكن المنسقة ترى أن الهدف «حبس الاثنين وإن كان ذلك موقتاً، من أجل الدخول في إجراءات أخرى كانتظار تحديد جلسة لنظر الطعن على الحكم».
وحوكم عبد الفتاح ورفاقه في قضية أسندتها لهم النيابة العامة، وفيها اتهامات بالاعتداء على مفتش مباحث القاهرة، وسرقة جهازه اللاسلكي، والتظاهر دون ترخيص، وإثارة الشغب وقطع الطريق، والتجمهر وإتلاف الممتلكات العامة، وهي تهم اعتادت الدولة المصرية توجيهها إلى خصومها، علماً أن تلك المظاهرة كانت على خلفية دعوة من القوى السياسية إلى الاحتجاج أمام مجلس الشورى ضد قانون التظاهر الذي أصدره الرئيس المؤقت والمنتهية ولايته عدلي منصور في تشرين الثاني الماضي.
من جانبه، وصف عضو «ائتلاف شباب ثورة 25 يناير»، صفوان محمد، الحكم بأنه متوقع كأول استهلال لتولي السيسي، متهماً الرئيس الجديد بأنه «في سبيله لإعادة إحياء دولة حسني مبارك مرة أخرى، ما يعني أنه سيلتهم كل الوجوه والقوى الثورية انتصاراً لمن قامت الثورة ضدهم، وانتقاماً من الشباب الذين فجروا شرارتها، وخاصة الرموز المشهورة إعلاميّاً منهم». وقال محمد لـ«الأخبار»: «دائرة انتقام السيسي لن تقف عند حدود الإخوان أو الإسلاميين، بل ستمتد لتشمل الجميع... الحكم أثبت أن القضاء في مصر غير مستقل، ووجود بعض القضاة المستقلين لا ينفي أن الغالبية العظمى من القضاة موجهون»، مضيفاً أن الدولة تستخدم كل الأساليب للقضاء على شباب الثورة بدءاً من التشهير والحبس والقتل.
أما الباحث في مركز التقدم الأميركي في واشنطن، مختار عوض، فيرى أن الحكم يأتي في إطار ما تراه القاهرة بحثاً عن استرجاع «هيبة الدولة» التي انفرطت منذ 25 يناير، قبل أن يؤكد لـ«الأخبار» أن استمرار التصعيد ضد الناشطين السياسيين والمتظاهرين الآخرين دليل على إخفاق الدولة في استرجاع هيبتها، «لأن عودة الهيبة مرتبطة باحترام المواطنين وتوفير حاجاتهم الأساسية وحل مشكلاتهم، وليس ترهيبهم وبناء جمهورية الخوف مرة أخرى».
وقال عوض ذو الأصول المصرية: «تحليل الحكم انطلاقاً من وجهة نظر الدولة التي ترى الناشط عبد الفتاح من دعاة الفوضى غير صحيح، لأنه يعني استمرار وجع الدماغ للدولة 15عاماً أخرى، وخاصة أن الحكم القاسي يعطي الوقود لدعاة الفوضى كما ترى الدولة». ردّاً على سؤال: هل يكون الحكم جرس تنبيه للقوى السياسية والإخوان المسلمين من أجل الاتحاد ونبذ الخلافات ومواجهة قمع الدولة بحق الأطراف كلها؟ أجاب: «لم يعد هناك ما يمكن تسميته قوى ثورية في مصر، فالإخوان لن يتحالفوا إلا مع فصيل له فعالية في المشهد المصري، وخاصة أن قضايا الحريات والحقوق لا تحرك المصريين ولا تهم بالأساس قطاعاً عريضاً منهم».
وعبرت تعليقات الناشطين والشباب على مواقع التواصل عن غضبهم واستيائهم من الحكم ضد عبد الفتاح ورفاقه، وهي تعليقات تظهر حجم الفجوة بين السيسي وجيل الشباب الذي أحجم بغالبيته عن التصويت في الانتخابات الرئاسية، وهو ما اعترف به السيسي نفسه في أحد اللقاءات التليفزيونية قبل الانتخابات حين قال إنه عاجز عن التواصل مع شباب الثورة. من هذه التعليقات ما قالته الناشطة نوارة نجم، التي عبرت عن أن الهجرة خارج مصر كان أول ما فكرت فيه بعد إعلان الحكم، مفصحة عن رفضها العقوبة الصادرة بحق عبد الفتاح ومن معه. وتساءلت نجم: «هل تنتهي هذه الأيام السود، أم يجب علينا الهجرة والخروج من البلد وتركه لهم؟»، قبل أن تعود لتطلب من متابعيها اقتراحات للخروج من البلد، وأعربت عن ذلك باللهجة المصرية قائلة: «الواحد يغور من هنا إزاي؟». أما الناشطة أسماء محفوظ، فهاجمت المؤسسة القضائية مشككة في نزاهة الحكم بـ15 عاماً على المتظاهرين. وتساءلت هي الأخرى: «أين الأحكام على من قتلوا المتظاهرين في الميادين واغتصبوا البنات وسرقوا ثروات الوطن؟»، مؤكدة أن ما يجري الآن يوضح أنه لا توجد دولة، «لأن أي دولة لا تفعل ذلك بمواطنيها».
يذكر أن الرئيس السيسي أجرى أمس مع وفد من القوات المسلحة، زيارة لضحية التحرش في ميدان التحرير، وقدم إليها اعتذاراً عما حدث، ووعدها بمحاسبة مرتكبي الحادث. وقال السيسي مخاطباً تلك المرأة: «حقك علينا. لا تغضبي. حمداً لله على السلامة، وأنا تحت أمرك». وأضاف: «نحن آسفون ولن أخاطب وزير الداخلية أو وزير العدل، بل سأخاطب كل جندي في مصر حتى لا يحدث ذلك مجدداً».