غزة | لم يَرُق السعودية أن يشهد قطاع غزة وقفة حاشدة ضدّ عدوانها المستمرّ على اليمن، فأطلقت أذرعها على المستويات كافّة لمواجهة ذلك، مُوعزةً إلى جماعاتها السلفية في القطاع بقيادة تحرُّك مضادّ، عبر ركوب موجة التضامن مع اللاجئين السوريين. لكن فصائل المقاومة لم تتأخّر في التصدّي لهذا التحرّك، معلِنةً في مواقف رسمية رفْضها إيّاها واستنكارها له، فيما سارعت جهاتها الأمنية، وتحديداً تلك التابعة لحركة «حماس»، إلى تحذير جمعية «ابن باز» خصوصاً، من استغلال «مناخ الحريات في القطاع» في الإساءة إلى محور المقاومة، وتخريب العلاقة في ما بينه وبين الفصائل
بتخطيط مُسبَق، وخلال وقفة من تنظيم «جمعية ابن باز الخيرية» السلفية، المرتبطة بشخصيات سلفية سعودية، أقدَم عدد من أفراد الجمعية على حرْق صور للجنرال الإيراني الشهيد قاسم سليماني، وأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، فيما أظهرت صور ومقاطع فيديو ترداد هؤلاء شعارات ضدّ إيران و«حزب الله» والحكومة السورية، وقيادات في «محور المقاومة». ويبدو أن الوقفة هذه، التي حاول منظّموها تمريرها تحت شعار التضامن مع اللاجئين السوريين، جاءت بطلب مباشر من الجهات التي تموّل الجمعية السلفية، وفي الغالب هي سعودية، بهدف الردّ على التظاهرة التي نظّمتها حركة «الجهاد الإسلامي» في القطاع قبل نحو أسبوعين، تضامناً مع الشعب اليمني في وجه العدوان المتواصل عليه. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن تظاهرة «الجهاد»، التي كانت حاشدة على نحو لافت، «استفزّت كثيراً المسؤولين السعوديين، الذين أعربوا عن انزعاجهم منها في أحاديث مع مسؤولين في السلطة الفلسطينية في رام الله»، كما أوعزوا إلى جماعات مقرّبة من المملكة، ومن بينها «ابن باز»، باستنكار التظاهرة وتشويه صورتها، والتشنيع على الداعين إليها والمشاركين فيها. لكن بالنظر إلى أن الجمعية لا تستطيع تنظيم الوقفة المضادّة بعنوان واضح معادٍ لـ«الجهاد»، فقد تلطّت خلْف شعار التضامن مع اللاجئين السوريين، بينما غالبية شعاراتها كانت موجّهة بشكل خاص ضدّ قوى «محور المقاومة»، وتحديداً إيران و«حزب الله».
في المقابل، استنكرت حركة «حماس»، في بيان رسمي، هذا التحرّك، واصفةً إيّاه بأنه «منافٍ لقيَم الشعب الفلسطيني الذي يتطلّع إلى وقوف الأمة كلّها على اختلاف توجّهاتها مع فلسطين وشعبها وقضيته العادلة، فعدوّنا وعدوّ الأمة هو الاحتلال الصهيوني فقط». وشدّدت الحركة على أنه «ليس من حقّ أي شخص أو جهة استغلال مناخ الحرّيات في قطاع غزة للإساءة لإخواننا من العرب والمسلمين»، مؤكدةً أن «ما تقوم به الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله من دعم وإسناد للمقاومة الفلسطينية يستوجب الشكر والتقدير، وستبقى حماس وفيّة لكلّ مَن يدعم شعبنا الفلسطيني ومقاومته، ولكلّ شعوب أمتنا العربية والإسلامية التي لم تدّخر جهداً لدعم قضيتنا». وبحسب مصادر من «حماس»، تحدّثت إلى «الأخبار»، فقد «وجّه مسؤولون أمنيّون في قطاع غزة تحذيرات شديدة اللهجة لمجدي المغربي، مدير جمعية ابن باز في غزة، عقب تجاوزه حدود الحرّيات التي تعطيها الحكومة في القطاع لمختلف الفصائل والأطراف». ونبّه المسؤولون إلى «أن أيّ إساءة لأيّ من الأطراف التي تقف مع أبناء الشعب الفلسطيني ستكون عاقبته الاعتقال وإغلاق الجمعية ووقْف أنشطتها كافة». كما حذّروا من «أيّ محاولات لتخريب علاقات فصائل المقاومة بمحور المقاومة»، قائلين إن «خطوات كهذه، غير مسموح بها قطعياً».
برزت «جمعية ابن باز الخيرية» السلفية كواحدة من أبرز الأدوات السعودية في قطاع غزة


بدوره، استنكر مدير المكتب الإعلامي لـ«لجان المقاومة الشعبية»، محمد البريم، «استهداف رموز المقاومة العربية والإسلامية»، وقال في حديثه إلى «الأخبار»، إن هذا «عملٌ مستنكرٌ ومدان، وهؤلاء القادة قدّموا لفلسطين الكثير الكثير، ولا يستحقّون منّا ومن شعبنا، سوى الشكر والتقدير على ما قدّموه من أجل فلسطين ومقاومتها الباسلة». وأضاف البريم: «لا بدّ لنا من الاعتراف بأن تطوير وتعاظم قوة المقاومة الفلسطينية، كان بفضل هؤلاء القادة»، مشدّداً على «احترام وتقدير مَن يقف معنا ويساندنا»، داعياً إلى محاسبة منظّمي الوقفة «ورفع الغطاء عنهم». ووصف مفوّض العلاقات الدولية والوطنية في حركة «المجاهدين»، زياد أبو عودة، من جهته، «حرق صور الشهيد سليماني بأنه عمل خارج عن إجماع شعبنا في القطاع، الذي قدّم الشكر مراراً لمحور المقاومة على دوره في احتضان المقاومة الفلسطينية، ودعمها معنوياً ومادياً وعسكرياً». وقال أبو عودة، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «الجمهورية الإسلامية في إيران وحزب الله، هم امتداد المقاومة، والفئة التي أقدمت على الإساءة لهم لا تمثّل إلا نفسها ومموّليها، وهي خارجة عن نبض الشعب الفلسطيني وضميره الذي خرج قبل أيام مستنكراً العدوان على اليمن، ورفع الآلاف من أنصاره صور الشهيد سليماني والسيد نصر الله والسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي».

«ابن باز»: نحن هنا
برز اسم «جمعية ابن باز الخيرية» السلفية، المموّلة سعودياً، كواحدة من أبرز الأدوات السعودية في قطاع غزة، خلال السنوات الماضية، لا سيما مع اندلاع الأزمة السورية. ومثّل مجدي المغربي، وهو أحد أبرز رموزها، أكثر الشخصيات المثيرة للجدل على هذا الصعيد في القطاع، إذ ينشط الرجل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تأجيج الفتن الطائفية والمذهبية، ودائماً ما يعلو صوته عقب كلّ جولة قتال مع العدو الصهيوني، عندما تُوجّه فصائل المقاومة الشكر للجمهورية الإسلامية في إيران. وزعم المغربي، أخيراً، أنه تلقّى تهديداً من حركة «الجهاد الإسلامي»، عقب انتقاده رفْع صور زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، في غزة، إلّا أن مصدراً أمنياً في الحركة أكّد، لـ«الأخبار»، أن «الجهاد» تتعاطى مع المغربي ـــ الذي يحاول تلميع صورته لدى مموّليه السعوديين من خلال افتعال الفتن ــــ «على أنه غير موجود».
ويشير معلّم مادة «التربية الإسلامية» في إحدى المدارس الحكومية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، محمود أحمد، إلى أن «حضور جمعية ابن باز، تراجع كثيراً خلال السنوات الماضية؛ لأن التيار السلفي الذي يعارض الاتجاه السياسي للسكّان، المتمثّل بالمقاومة، لا يَبرز له اليوم أيّ حضور شعبي، وتدلّل على ذلك الوقفة التي نظّمتها الجمعية، حيث لم يشترك فيها سوى بضعة عشرات». ويتابع أحمد: «يمكن القول إن التديّن السعودي فقد ألَقَه، خصوصاً بعد توجّه المملكة إلى حالة العلمَنة والانفتاح». لذا، برأي أحمد، فإن «جُلّ ما تفعله جمعية ابن باز ومجدي المغربي اليوم، هو أن يقولوا للسلطات السعودية التي أهملتهم، نحن هنا».