لا تَخرج عمليات استهداف القادة والشخصيات البارزة في التنظيمات المتطرّفة المرتبطة بـ«القاعدة» أو بـ«داعش»، وفق ما تفيد به مصادر من إدلب «الأخبار»، عن سياق الحراك الذي يخوضه زعيم تنظيم «جبهة النصرة»، أبو محمد الجولاني، للخروج بنفسه من دائرة الموصوفين بـ«الإرهاب»، إلى خانة «القائد السنّي المعتدل». ولا تستبعد المصادر مشاركة الجولاني، بالدرجة الأولى، في تسليم المعلومات الكاملة عن مكان إقامة زعيم «داعش»، أبو إبراهيم القرشي، في بلدة أطمة، كما فعل في عمليات سابقة تمّ من خلالها استهداف قادة في تنظيم «حراس الدين»، المنافِس الأقوى للجولاني، الذي سيُنظر إليه على أنه مساهِم في التخلّص من اثنَين من زعماء أخطر تنظيم متطرّف في العالم.لكنّ القرشي لم يكن شخصية مؤثّرة في مسار العمليات التي ينفّذها «داعش» شرق الفرات أو غربه، إذ بحسب المعطيات المتوافرة، تعمل الخلايا التابعة للتنظيم بشكل منفصل، ونادراً ما يتمّ التنسيق في ما بينها لشنّ عمليات ضخمة. وإن كانت العملية الأضخم بالنسبة إلى «داعش» منذ أن فقد سيطرته على باغوز فوقاني، في آذار من عام 2019، هي الهجوم على سجن الثانوية الصناعية في مدينة الحسكة أخيراً، فإن ضخامة الحدث مردّها، في جزء منها، إلى الارتباك الذي ساد صفوف «قوات سوريا الديموقراطية»، لجهة التحشيد البطيء والتأخّر في تنفيذ عمليات اقتحام فاعلة. ولذا، أوحى الهجوم بأن «داعش» ما زال قادراً على تنفيذ «غزوات» كبرى قادرة على تغيير خارطة السيطرة، لكنّ واقع الأمر يشير إلى أن التنظيم يعمل حالياً وفق مبادئ «حرب العصابات»، والعمليات السريعة غير دائمة الأثر. وعليه، فإن المبالغة في الحديث عن خطورته تبدو غير منطقية، شأنها شأن الترويج لأثر لاغتيال القرشي، الذي يمكن وصفه بـ«خليفة الظل»، لانعدام ظهوره سابقاً.

تملّص أميركي
حمّل البيان الأميركي مسؤولية تصفية عدد من الأشخاص من بينهم نساء وأطفال، لزعيم التنظيم بزعْم قيامه بتفجير قنبلة أو حزام ناسف حين بدء الهجوم، إلّا أن مصادر محلية قالت، لـ«الأخبار»، إن المتحصّنين في المنزل المستهدَف بعملية الإنزال التي انتهت في الساعة 2:30 دقيقة من فجر الخميس، اشتبكوا بشكل عنيف مع القوّة المنفّذة للهجوم، والدليل على عنف الاشتباك هو إصابة المروحية الأميركية التي تحطّمت لاحقاً بالقرب من بلدة جنديرس، فيما زعمت واشنطن أنها سقطت نتيجة «خلل فني». كما تتحدّث المعلومات عن سقوط جرحى في صفوف المُهاجِمين، على رغم تأكيد وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» عودة كامل القوّة بـ«خير».
لم يكن القرشي شخصية مؤثّرة في مسار العمليات التي ينفذها تنظيم «داعش» شرق الفرات أو غربه


قصف المنزل المستهدَف من قِبَل المروحيات الأميركية بالرشاشات الثقيلة قبل بدء الإنزال، شكّل تمهيداً نارياً عنيفاً في بقعة جغرافية صغيرة، توازياً مع إطلاق المروحيات مكبّرات الصوّت لدعوة سكّان المنازل المجاورة إلى التزام أماكنهم للحفاظ على سلامتهم. وعلى إثر ذلك، بدأ تبادل إطلاق النار، واستمرّ لمدّة 20 دقيقة تقريباً. وقبيل مغادرة المروحيات سماء بلدة أطمة، عمدت إلى إطلاق 5 صواريخ على المنزل المستهدَف، لتخلّف أيضاً عدداً من الجرحى من بينهم أطفال. وبذا، يمكن وضع الحديث عن تفجير القرشي لنفسه في إطار المحاولة الأميركية للتملّص من استهداف أطفال ونساء كانوا متواجدين في ساحة المعركة.
وترافقت عملية الإنزال مع ضخّ معلوماتي عن هوية الشخصية المستهدَفة. فبعض وسائل الإعلام تحدّثت عن احتمال أن يكون زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، هو القاطن في المنزل المستهدَف، فيما ذهبت بعض الصفحات الجهادية على وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحديث عن محاولة لتصفية الناشط أبو حسام البريطاني، إلّا أن الأخير خرج في تسجيل مصوّر ينفي فيه تعرّضه لأي محاولة اغتيال، فيما لم يَصدر عن تنظيم «القاعدة» أي ردّ فعل. وعلى الرغم من تأكيد واشنطن عملية الاغتيال، إلّا أن ساعات نهار الخميس لم تشهد أيّ تأكيد أو نفي من تنظيم «داعش»، وهو ما يفسّر حالة التباعد بين خلايا التنظيم من جهة، وعدم معرفة قادة هذه الخلايا بموقع إقامة خليفتهم «أبو إبراهيم»، لعدم تلقّيهم أيّ تعليمات منه، من جهة ثانية، وهذا يشير بدوره إلى أن لا أهمية لتصفيته في حسابات هزْم فلول «داعش»، وإفقاده القدرة على إعادة التشكّل، أو وقْف عمل الخلايا التابعة له.