الحسكة | تُثبت الوقائع الميدانية القليلة التي تكشّفت حتى الآن، حول عملية الإنزال الجوي الأميركي في الشمال السوري بهدف قتْل زعيم تنظيم «داعش» الذي يحمل أكثر من اسم ولقب، أهمّها: محمد سعيد عبد الرحمن المولى، أمير محمّد عبد الرحمن المولى الصلبي، الحاج عبدالله، وأبو إبراهيم الهاشمي القرشي، وجودَ دور مهمّ وأساسي للأحداث التي وقعت في سجن الصناعة في مدينة الحسكة خلال الأسبوع الفائت، سواءً في اتّخاذ قرار تنفيذ الهجوم على زعيم «داعش» على رغم مخاطره، أو حتى في تحديد الموقع الدقيق الذي يتواجد فيه الرجل. ويبدو أن ما مهّد لذلك معلومات استخباراتية حصلت عليها الولايات المتحدة من قيادات في «هيئة تحرير الشام»، صاحبة السطوة في المنطقة التي نُفّذت فيها العملية، حيث قُتل سابقاً الزعيم السابق لـ«داعش»، أبو بكر البغدادي. وبحسب ما كشفه أمس مسؤولون أميركيون كبار لوسائل الإعلام، فإن الرئيس الأميركي، جو بايدن، كان قد أُطلع قبل نحو شهر على العملية، إلّا أنه لم يعطِ الإذن بتنفيذها إلّا فجر يوم الثلاثاء الأخير. ويشير التوقيت الذي اختاره بايدن لمنح الإذن والموافقة على المهمّة الخطيرة، إلى السعْي الأميركي الحثيث للتغطية على فضيحة فرار العشرات وربّما المئات من عناصر التنظيم، من سجن محصّن خاضع لسيطرة واشنطن وحلفائها الأكراد، ولإثبات قدرة الولايات المتحدة، أمام أصدقائها قبل أعدائها، على قمع التنظيم وتصفية قادته وإحباط عملياته. ولعلّ واشنطن استغلّت إلقاء القبض على عدد من مقاتليه بعد بدء الهجوم على السجن، أو مراقبة تحرّكات قادته الذين تمكّنوا من الفرار من سجن الصناعة، لتحصل على معطيات تساعدها في تحديد أماكن تواجد قادة «داعش» في سوريا والعراق، ولا سيما زعيمه.
أثبتت واشنطن، مرّة أخرى، أنها تستطيع الوصول إلى قادة التنظيمات المتشدّدة حينما تريد ذلك


وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر أمنية في الحسكة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المعالم الأولى للعملية الأميركية، بدأت عقب تنفيذ داعش الهجوم على سجن الثانوية الصناعية في مدينة الحسكة، وتمكّن عدد من قيادات الصفّ الأول من الفرار من السجن، والوصول إلى إدلب». وتضيف المصادر أن «القوات الأميركية تعقّبت قيادياً بارزاً في التنظيم، تمكّن من الفرار والوصول إلى إحدى المناطق في الشمال السوري، والتي يبدو أنها المنطقة نفسها التي جرت فيها عملية الإنزال أمس». وتكشِف المصادر أن «المعلومات الميدانية تشير إلى أن القياديّ البارز الفارّ قد قُتل في العملية إلى جانب أمير داعش»، مرجّحةً أيضاً «مقتل أو إصابة القياديَّيْن البارزيْن في التنظيم، أبو خالد العراقي، وأبو حسين خطّاب، في العملية نفسها، حيث كانا إلى جانب القرشي».
أثبتت واشنطن، مرّة أخرى، أنها تستطيع الوصول إلى قادة التنظيمات المتشدّدة أينما وُجدوا ــــ حينما تريد ذلك ــــ، بدءاً من أسامة بن لادن مروراً بأبو بكر البغدادي وصولاً اليوم إلى القرشي. كما تشير وقائع العملية، وما سبقها، إلى أن إمساك واشنطن بملفّ سجناء تنظيم «داعش» لدى «قسد»، يُشكّل لها كنزاً ثميناً من المعلومات الاستخباراتية التي تتيح لها التحكّم بمسار نشاط التنظيم، عبر اكتشافه مبدئياً، ثمّ إحباطه أو غضّ النظر عنه، أو حتى نقل مقاتلين وقياديين منه من السجون إلى مناطق أخرى في إطار صفقات مبهمة، كما حدث أخيراً في الحسكة.