على رغم التبعات الكارثية المتوقّعة عليها في حال استمرار انخراطها في الحرب على اليمن، خصوصاً بالنظر إلى صِغَر حجمها ومحدودية قدرتها على خوض النزاعات، لا يبدو أن دولة الإمارات قادرة على الخروج من المستنقع اليمني - حتى لو أرادت -؛ إذ يَظهر أنه ممنوع عليها ذلك من قِبَل كلّ من الولايات المتحدة والسعودية. ويتجلّى هذا الطابع القسري في التناقض ما بين حديث أبو ظبي، في العلن، عن أهداف استراتيجية لمشاركتها في الحرب، واستجدائها في الوقت نفسه مظلّة أمنية من حليفَيها الأميركي والإسرائيلي. كما يتجلّى أيضاً في التضارب ما بين الترويج الإعلامي لــ«انتصارات» عسكرية منذ سبع سنوات، واعتراف المسؤوليين الإماراتيين، في الغُرف المغلقة، بعبثية هذه الحرب، وعدم رضاهم عن استمرارها، وكونهم مرغَمين على الاستمرار فيها، إلى حدّ أن هؤلاء يطلبون من ضيوفهم لدى سؤالهم عن اليمن «ضرورة مراجعة القيادة السعودية».يتأكّد اليوم، بعد سلسلة من التقلّبات والانسحابات المتكرّرة ثمّ العودة عنها، أن المسؤولين الإماراتيين لا يفقهون شيئاً من العلوم العسكرية والاستراتيجيات الحربية، وأنهم اعتمدوا بنسبة عالية في إدارة الحرب على مراكز أبحاث معظمها غربي، تُعبّر غالباً عن أمنيات كتّابها، ولا تمتّ إلى الواقع بشيء. ولو أن آل زايد اطّلعوا على تاريخ اليمن الموصوف بـ«مقبرة الغزاة»، أو أخذوا عِبرة من المصير الذي لاقاه الجيش الروماني إبّان الحملة التي قادها حاكم مصر الروماني أيليوس غالوس، وكذلك الأيوبيون، والعثمانيون، أو حتى المصريون في ستينيات القرن الماضي عندما شاركوا في القتال إلى جانب التمرّد الجمهوري على الحُكم الإمامي؛ أو لو أنهم أخذوا علماً بطبيعة سكّان هذا البلد، خصوصاً «أهل الهضبة» (وهي معارف تُعدّ من بديهيات العلوم العسكرية)، لما تجرّأوا على الانخراط في الحرب، وأداء دور وظيفي لمصلحة واشنطن في خضمّها.
أمّا وقد وقعت الواقعة، وباتت الإمارات عالقة في الورطة، فلا يملك مسؤولوها إلّا المكابرة في الدفاع عن انخراطهم في الحرب، كما هو حال المستشار الرئاسي الإماراتي، أنور قرقاش، الذي كرّر، صبيحة يوم تنفيذ النسخة الثالثة من عملية «إعصار اليمن»، تمسّك بلاده بـ«أهدافنا ورؤيتنا الاستراتيجية نحو المساهمة في بناء منطقة مستقرّة ومزدهرة للجميع». كذلك، تدير أبو ظبي مشاركتها في العدوان، على طريقة برامج اكتساب التوصيفات العالمية، والتي عادة ما يتمّ شراؤها بالمال، إذ تَستخدم نفوذها المالي والاقتصادي وعلاقاتها التجارية والسياسية لحشْد تعاطف العالم معها، فيما ينشط سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، مع اللوبي الصهيوني، في استقطاب مؤسّسات العلاقات العامة وأعضاء الكونغرس من أجل تحريض إدارة جو بايدن على إعادة تصنيف «أنصار الله» كـ«منظّمة إرهابية»، فضلاً عن مشاركة قِطَعها البحرية مع السعودية والولايات المتحدة في محاصَرة اليمن.
يصارح الإماراتيون ضيوفهم بعبثية الحرب على اليمن وعدم رضاهم عن استمرارها


على أن كلّ تلك الاستراتيجيات لا يبدو أنها ستُجدي نفعاً؛ إذ إن المُحدِّد الأوّل والأخير للنتائج هو الميدان، فيما كثرة الدول المتعاطِفة غير ذات صلة، خصوصاً أن هذه الدول ليست معنيّة بالانخراط في مغامرات من أجل أبو ظبي، وما رهان الأخيرة عليها إلّا دليل على قصور الفهم الحقيقي للمصالح الدولية. ولعلّ أحد أبرز نماذج ذلك القصور هو ما تبجّح به مستشار ولي عهد أبو ظبي، عبد الخالق عبدالله، من أن «أكثر من 140 دولة ومنظّمة دولية أعربت عن تضامنها مع ‎الإمارات، وأدانت بأشد العبارات هجمات جماعة الحوثي على منشآت مدنية في الإمارات. رقم عالمي قياسي وربّما غير مسبوق في التضامن الأممي». يُضاف إلى ما تَقدّم أن قوى «محور المقاومة» اعتادت وقوف «المجتمع الدولي» ضدّها في كلّ المعارك التي خاضتها، وآخرها معركة «سيف القدس»، وقَبْلها المواجهات التي خاضتها المقاومة في لبنان، ومنها في نيسان 1996، حيث سبق تلك الحربَ انعقادُ مؤتمر في شرم الشيخ في آذار من العام نفسه، بحضور 30 دولة عربية وأجنبية، من بينها أميركا وفرنسا وروسيا، وأعطى إسرائيل «المشروعية» لتشنّ حربها على لبنان، وأسّس لتعاون عربي - إسرائيلي - أميركي لمحاربة مفهوم المقاومة. وفي الشهر التالي للمؤتمر، اندلع عدوان «عناقيد الغضب»، والذي أدّى صمود المقاومة في وجْهه إلى قلْب الطاولة على «المجتمع الدولي»، وإجباره على الاعتراف بمشروعية المقاومة، من خلال ما عُرف يومها بـ«تفاهم نسيان» الذي أسّس لتحرير جنوب لبنان عام 2000. وعلى النحو نفسه، شنّت إسرائيل، في عام 2006، عدواناً جديداً على لبنان، بتغطية عربية - أوروبية - أميركية، تجلّت في قول وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، آنذاك، «(إنّنا) في طوْر تكوين شرق أوسط جديد من دون العود ة إلى القديم»، وكانت النتيجة أن فازت المقاومة في هذه الحرب، وتحوّلت لاحقاً إلى قوّة إقليمية تشكّل تهديداً استراتيجياً للأمن القومي الإسرائيلي.