بغداد | بمعزل عن الجهة التي تقف وراء الهجوم على مطار بغداد وقاعدة «فيكتوري» التابعة لقوات الاحتلال الأميركي، فإن الهدف منه، على ما بدا أمس، قد يكون إظهار المقاومة التي تستهدف القوات الأميركية بمظهر مَن يزعزع أمن العراق. إلّا أن الأكيد أنه يثبت، مرّة أخرى، أنه لن يكون ثمّة استقرار أمني في البلد، ما لم يكن هناك استقرار سياسي، في الوقت الذي يستمرّ فيه الصراع ضمن العملية السياسية، التي تشهد إحدى محطّاتها البارزة في الأيام القليلة المقبلة مع انتخاب رئيس الجمهورية، ليُصار بعدها إلى تكليف رئيس للوزراء من الكتلة البرلمانية الأكبر، بعد تحديدها، ليتولّى تشكيل الحكومة. هجوم الأمس، بستّة صواريخ وطائرة مُسيّرة سقطت بين الجانبَين العسكري والمدني للمطار، اتّسم بطابع أكثر خطورة من المعتاد؛ إذ أدّى إلى تضرُّر طائرة مدنية خارج الخدمة مركونة على أحد أطراف المنشأة. وبخلاف المرّات السابقة التي استُهدفت فيها القواعد الأميركية، وتبنّت العمليات خلالها فصائل المقاومة العراقية، لم تتبنّ أيّ جهة هذا الهجوم، علماً أن المقاومة كانت قد أبدت حرصها على حصْر الاستهداف بالأميركيين وحدهم في القواعد المشتركة التي تضمّهم إلى قوات أمنية عراقية. كما أنه، بحسب المعلومات التي تمّ تداولها، فإن الصواريخ المُطلقة هي من طراز «كاتيوشا»، وقد عُثر على منصّة إطلاقها في منطقة أبو غريب غربي العاصمة. من جهتها، أعلنت القوات الأميركية أنها استخدمت نظام الدفاع «سي رام» لإسقاط المُسيَّرة، قبل أن تبلغ هدفها في قاعدة «فيكتوري».ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، حيدر البرزنجي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هناك جهات تستغلّ الأوضاع السياسية والأمنية من أجل إعطاء صورة ذهنية سلبية عن ما يجري في العراق»، مضيفاً أنه «يقع على عاتق القوى الأمنية الكشف عن مَن يقوم بإطلاق تلك الصواريخ واستهداف المطار بهذه الطريقة». ويلفت إلى أن «المطار منشأة حيوية مدنية، فيما استهداف القواعد العسكرية الأميركية أمر آخر، ويتمّ الإعلان عنه من خلال فصائل المقاومة ببيانات رسمية موثقة، وإنْ من قِبَل بعض الجهات والمسمّيات غير المعروفة. أمّا هذه الطريقة البدائية، فتدلّ دلالة واضحة على أن هناك جهات تحاول أن تخلط الأوراق، وتُعطي صورة نمطية عن أن هذا الاستهداف يأتي في إطار حدّة التوتر السياسي والانسداد في البلد». في المقابل، يرى الخبير الأمني القريب من حكومة مصطفى الكاظمي، فاضل أبو رغيف، أن «المسؤول عن تلك الهجمات هي جماعات متطرّفة حاولت أن تلبس لبوساً آخر عبر ما يسمّى بعمليات التصدي والتحدّي التي تدخل ضمن بوابة العنف»، معتبراً ما يجري «نتيجة الانسدادات السياسية التي تعصف بالبلاد». ويشير إلى أن «الكاتيوشا أقلّ دقّة، ولذلك لا أعتقد أنه كان مقصوداً استهداف الطائرة كونه يؤدي إلى النيل من سمعة العراق إقليمياً ودولياً، وأعتقد أن هذا الاستهداف يندرج ضمن الأعمال الإرهابية الجنائية».
الصواريخ التي أُطلقت من طراز «كاتيوشا» ومنصّة الإطلاق وُجدت في منطقة أبو غريب


ويأتي هذا الهجوم مع اقتراب العملية السياسية من مواعيد مفصلية، التالي منها سيكون انتخاب رئيس الجمهورية في السابع من شباط المقبل، في ظلّ خلاف بين «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» حول القضية، علماً أن رئيس الجمهورية يُفترض أن يكون من حصّة «الاتحاد»، بحسب اتّفاق بين الحزبَين على تقاسم السلطة في «إقليم كردستان» والمناصب الاتّحادية المُخصَّصة للأكراد. ويصرّ «الاتحاد» على التجديد لبرهم صالح لولاية ثانية، الأمر الذي يتحفّظ عليه «الديموقراطي». ويأتي الخلاف على خلفية نزاع أكبر حول شكل الحكومة المقبلة، التي يصرّ «التيار الصدري» على أن تكون حكومة أغلبية تتيح له تنفيذ برنامجه في الحكم، فيما يريدها «الإطار التنسيقي» المنافِس للتيار، حكومة توافقية يشارك فيها الجميع، في إطار رؤية تركّز على أن التحدّيات الماثلة في المرحلة المقبلة ليست مواجهتها ممكنة إلّا بهذه المشاركة. وقبل الاستحقاق الرئاسي، سيتعيّن على المحكمة الاتحادية أن تفصل في دعوى مؤجّلة إلى الأوّل من شباط، لتحديد الكتلة الأكبر في البرلمان، كان قد تقدّم بها «ائتلاف دولة القانون»، بعد أن سلّم رئاسة السنّ في مجلس النواب، خلال جلسته الأولى، طلباً بإعلان «التنسيقي» الكتلة الأكبر بـ88 عضواً.