الخرطوم | يتواصل الحراك الدبلوماسي الدولي في السودان، للمساعدة في بلورة حلّ للأزمة المستمرّة منذ انقلاب 25 تشرين الأوّل الماضي. وفي هذا السبيل، أنهت «بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديموقراطي في السودان» (يونيتامس) الأسبوع الثاني من مشاوراتها مع القوى السياسية في البلاد، تزامناً ومباحثات أجراها وفد أميركي -ضمّ المبعوث الأميركي الجديد إلى القرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد ومساعِدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في - مع «مجلس السيادة» وقوى أخرى. وبعد دعوة رئيس «يونيتامس»، فولكر بيرتس، في 8 كانون الثاني الحالي، إلى إطلاق عملية سياسية بين الأطراف السودانية، انخرطت أحزاب وتجمّعات مدنية ونقابية وتحالفات حزبية في المشاورات التي تقودها البعثة، من بينها «حزب الأمة القومي» و«الحزب الاتحادي الديموقراطي» والمجلس المركزي لـ«قوى الحرية والتغيير» و«حركة تحرير السودان»، إلى جانب ممثّلين للحركة النسوية. وأعلنت «يونيتامس» مواصلة الاجتماعات الأسبوع المقبل مع الأحزاب السياسية، و«لجان المقاومة»، ومجموعات المجتمع المدني، و«تجمّع المهنيين»، والحركات المُوقّعة على «اتفاق جوبا»، موضحةً أن الجولة المقبلة ستضع مسألة الجيش والقوات الأمنية على الطاولة.على خطٍّ موازٍ، بحث رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، مع مبعوث الاتحاد الأفريقي، مفوَّضِه للسلم والأمن أديوي بانكولي، الأوضاع في البلاد. وسلّم بانكولي، البرهان، رسالة خطّية من رئيس المفوّضية، موسى فكي، تتعلّق برؤية الاتّحاد لسبل تسوية الأزمة، مبدياً، في تصريحات صحافية عقب اللقاء، استعداد التكتّل لدعم التوافق السياسي السوداني من أجل تحقيق «الانتقال الديموقراطي»، مؤكداً التزامه بالتشاور مع «السيادي» والحكومة والمكوّنات المجتمعية كافة، للتوصّل إلى حلّ سلمي قابل للتنفيذ. وكان «السيادي» وافق على الانخراط في مبادرة «يونيتامس»، إلّا أنه طالب بمشاركة الاتحاد الأفريقي فيها، وهذا ما تمّ بالفعل؛ إذ أبدى فكي، خلال لقائه نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في أديس أبابا، في 24 كانون الثاني الحالي، استعداد المفوضية للمساهمة في معالجة المعضلة السودانية، فيما شدّد مجلس السلم والأمن التابع للمفوضية، أثناء جلسة إحاطة لمناقشة تطوّرات الأوضاع في السودان على ضوء تقرير موفده الخاص لهذا البلد، محمد بلعيش، على أولوية الحوار بين المُوقّعين على «الوثيقة الدستورية» في آب 2019، و«اتفاقية جوبا للسلام» في تشرين الأول 2020.
يؤيّد موالون للنظام السابق عودة البلاد إلى الحُكم العسكري


على أن هذا الحراك الدبلوماسي المكثّف، لا يبدو أنه يلقى صداه في الشارع المُعارِض للانقلاب، والذي يواصل حراكه المطالِب بإسقاط حُكم العسكر، فيما يتصاعد استخدام العنف بحقّه من قِبَل الشرطة. وفي هذا الإطار، يَعتقد الباحث السياسي، محمد إبراهيم، أن إصرار بيرتس على «إشراك قادة الجيش في المشاورات يعقّد الوضع، خصوصاً أن هذا المطلب مرفوض من قِبَل لجان المقاومة وتجمّع المهنيين والمحتجّين على الأرض». ويقول إبراهيم، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «مهمّة بيرتس تبدو صعبة»، معتبراً أنه «إذا كانت هناك ضرورة للحوار مع قادة من الجيش، فلا يجب أن يكون من ضمنهم البرهان ونائبه وأعضاء مجلس السيادة من ضباط الجيش، فهؤلاء مرفوضون في الشارع بعد أن أَوْغلوا في قتل المتظاهرين في الأشهر الثلاثة الماضية». ويضيف أن «خيار الحكومة العسكرية مجدّداً أمر مرفوض بالنسبة إلى السودانيين، وهو ما يجب أن تنتبه له بعثة الأمم المتحدة خلال مشاوراتها مع المكوّن العسكري»، متابعاً: «إمّا تحقيق مطلب السودانيين بحكومة مدنية أو أن دوّامة الفوضى ستتواصل وتكبر».
في المقابل، يؤيّد موالون للنظام السابق عودة البلاد إلى الحُكم العسكري، وهم نظّموا احتجاجات أمام مقرّ بعثة الأمم المتحدة لـ«دعم المرحلة الانتقالية»، يُشتبه في أن الجيش أوعز إليهم بها. ويُساوق هذا التحرّكَ اتهامُ «مجلس السيادة»، بعثات دبلوماسية مقيمة في الخرطوم لم يسمّها، بممارسة ما أَطلق عليها «أنشطة مخالِفة للأعراف الدبلوماسية ومنتهِكة لسيادة البلاد». وكان البرهان حذّر، في وقت سابق، من تحرّكات لبعثات دبلوماسية وسط السودانيين للتحريض ضدّ الجيش، الأمر الذي عدّه مراقبون توطئة لطرد البعثة الأممية أو التقليص من نطاق صلاحياتها. وفي هذا السياق، تَعتقد الناشطة الحقوقية، حرم أبو بكر، أن «المكوّن العسكري في مجلس السيادة لا يرغب في الواقع بوجود بعثة الأمم المتحدة، لكنه لا يجرؤ على التصريح بذلك علانية، خشية العقوبات التي قد تترتّب على خطوة كهذه إن أقدم عليها». وتضيف أبو بكر، في تصريح إلى «الأخبار»، أنه بناءً على ذلك «يحاول المجلس وضْع الكثير من العراقيل أمام البعثة، حتى يجبرها على المغادرة، من قَبيل تحريض مجموعات مسلّحة في دارفور على نهب مقرّاتها، وإخراج عناصر موالية للنظام السابق، وساخطة على الأوضاع الماثلة، للتظاهر أمام المقرّ الرئيس للبعثة في الخرطوم والمطالَبة بطردها من البلاد».
وتَعتبر أن «مجلس السيادة الحالي يقرأ من كتاب عمر البشير سطراً بسطر، من دون أن يتمكّن من اجتراح أساليب جديدة».