عمّان | عاد رائد وهبة، وهو مهندس أردني، من اعتصام تطوعي نفذه جمع من الشباب في منطقة عجلون ــ شمالي المملكة، تحت عنوان «برقش بلا سياج». ويقول وهبة إنهم سيستمرون في فعالياتهم حتى وقف تدمير غابة برقش المتميزة بكثافة أشجارها المعمرة من أجل إقامة فرع لكلية عسكرية بريطانية هناك. سانده في ذلك الطالب في الجامعة الأردنية جمال رشيد الذي حذر من تكرار «مجزرة الأشجار» التي ذهبت من أجل بناء جامعته عليها غرب عمّان، على غابات برقش التي هي مسقط رأسه.
منذ أيام يتداول ناشطو البيئة وحماية الطبيعة في الأردن صوراً وأخباراً عن قطع آلاف الأشجار وتجريف الأراضي تمهيداً لمباشرة العمل في مشروع استضافة كلية «سانت هريست» العسكرية البريطانية، وسط صمت حكومي، رغم الاعتراض الشعبي المدعوم بنواب من النواب الرافضين للمشروع.
في السياق، استنكرت المديرة الإقليمية لمنظمة السلام الأخضر صفاء الجيوسي بناء كلية عسكرية أجنبية على أنقاض أشجار برقش، قائلة إن المخطط يعمل عليه منذ سنوات. وأضاف لـ«الأخبار»: «أطلقنا حملة لإنقاذ هذه الغابات، ورغم التعتيم المريب من المعنيين على هذه القضية التي تثير استياء الشارع، فإنه تأكد لي خلال زيارتي للموقع أن هناك تسييجاً للأشجار، كذلك منع الناشطون من الدخول على أيدي عناصر يرتدون الزي المدني وأبلغوهم أنهم عسكريون وأن المكان بات منطقة عسكرية يمنع الدخول إليها حتى بغرض التنزه».
ولم يعلَن موقف رسمي واضح بشأن المشروع في «برقش» وطبيعته، لكن صورة سربت عن قرار سابق لمجلس الوزراء يبيح في مضمونه قطع 2200 شجرة حرجية من غابات برقش «على الأقل» لإقامة الكلية الملكية «ساند هيرست»، وما لبث أن صدر بيان مقتضب عن القوات المسلحة الأردنية يؤكد صحة الوثيقة بطريقة أخرى.
توثيقاً للحدث، استطاع فريق منظمة السلام الأخضر أن يصور عن بعد مئات الأشجار التي قطعت في عمق الأراضي الحرجية، وفق «الجيوسي» التي تساءلت: «إذا كان القطع يستهدف أشجاراً آذتها العاصفة الثلجية الأخيرة كما قال بيان القوات المسلحة، فلماذا جرى تسييج المكان ومنع الناس من التجول والتنزه؟... هذا تعدّ واضح على البيئة والقانون». المخالفة القانونية أكدها النائب رئيس لجنة الزراعة في مجلس النواب، إبراهيم الشحاحدة، بذكره أن «المادة 28 من قانون الزراعة الأردني تنص على أنه «لا يجوز تفويض الأراضي الحرجية إلى أي شخص أو جهة أو تخصيصها أو بيعها أو مبادلتها مهما كانت الأسباب»، كذلك «لا يجوز إدخال الأراضي الحرجية في حدود البلديات إلا بموافقة من الوزير، ولا يجوز تقسيم الأراضي الحرجية داخل حدود التنظيم أو تغيير صفة استعمالها». وشن الشحاحدة هجوماً لاذعاً على كل من يعتدي على ما وصفه بـ«الرئة التي يتنفس منها الأردنيون»، سارداً لـ«الأخبار» أن الحكومة التي عرضت القانون الزراعي على مجلس النواب واعتمد فيه تغليظ العقوبة على من يتعدى على الأراضي الحرجية الجرداء، «هي نفسها تعتدي اليوم على الأراضي المعمرة والنادرة مع أنها مملوكة للدولة». ودعا إلى بناء الكلية على المساحات الجرداء والتوزيع العادل للمشاريع بدلاً من قتل أجمل البقاع في المملكة. كذلك، شدد مدير الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، يحيى خالد، على الأهمية الاستثنائية لغابات برقش في بلد لا تشكل فيه الغابات أكثر من 1% من مساحة البلاد والمحافظة عليها. واتهم خالد في حديث مع «الأخبار» بأن من اعتدى على الأشجار أخذ كل مؤسسات الدولة على حين غرة وارتكب جريمة بحق الوطن والبيئة. رغم أن لمشروع الأكاديمية خلفية عسكرية، فإن الاعتراض لم يكن على مبدئية المشروع وسياقه، بل لأنه يأكل أرضاً تصل فيها كثافة الغطاء النباتي إلى أكثر من 90 % عبر أشجار امتدّ عمرها إلى مئات السنين مثل السنديان والبطم والقيقب. وإعلامياً، اكتف جل وسائل الإعلام بالبيان الذي أصدره قبل أيام مصدر مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة بعد تسرب المعلومات عن قطع الأشجار الحرجية، وملخصه «أن الموقع الذي اختير لمباني الكلية يقع على أطراف الغابة، وأن الأشجار التي أزيلت من بقايا الأشجار التي تعرضت للضرر خلال العاصفة الثلجية نهاية العام الماضي».
أما المتحدث باسم وزارة الزراعة نمر حدادين، فأوضح أن القانون يسمح بالنفع العام في مناطق خالية من الأشجار.
عرضنا ما قاله النمري على منسق «الحملة الوطنية لإنقاذ برقش من الإعدام»، فراس الصمادي، فأكد لـ«الأخبار» توثيق أعضاء الحملة قطع ما لا يقل عن 2000 شجرة معمرة حتى الآن.