طرابلس | كما كان متوقّعاً، لن تجري الانتخابات الرئاسية الليبية في موعدها الجديد المُحدَّد في 24 كانون الثاني الحالي، بعدما توافقت الأطراف الداخلية والخارجية المعنيّة على تجميدها؛ لا لصعوبة تأمينها فقط، بل لأن الفائز فيها لن يتمكّن من ممارسة صلاحياته على الأراضي الليبية كافّة. ومن هنا، ينصبّ التركيز، اليوم، على كيفية إيجاد آلية لتقاسُم السلطة «بسلام»، ريثما يقتنع الليبيون بضرورة بدء صفحة جديدة لن تكون الانتخابات كفيلة بفتْحها، في ظلّ مخاوف من أن يتفرّد الفائز بالحُكم، ويعود معه شبح الحرب الأهلية، بالنظر إلى غياب الحدّ الأدنى من التوافق، إذ يَفرض رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، ووزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، نفوذاً لهما في طرابلس، لكن لا سلطة لهما عملياً في بنغازي - على سبيل المثال لا الحصر -، التي لم يستطع الدبيبة زيارتها من دون موافقة اللواء المتقاعد، خليفه حفتر، الذي يسيطر على قيادة الجيش. والأمر نفسه ينطبق على رئيس البرلمان، عقيلة صالح، الرجل القوي في بنغازي والذي يحظى بدعم دولي، من دون أن يكون قادراً على دخول طرابلس أو حتى الاقتراب منها. وهكذا، يبدو المشهد معقّداً ما بين شرق وغرب ووسط، وأطراف متضاربة لكلّ منها مصالحه، التي لن تكون عملية الاقتراع بذاتها قادرة على التوفيق في ما بينها.وعليه، يبدو مفهوماً التوافُق المستجدّ على إرجاء العملية الانتخابية إلى أجل غير مسمّى، واستمرار الوضع الحالي باعتباره أفضل الحلول الممكنة، خصوصاً أن ليبيا لم تَعُد أولوية على أجندة الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، في ظلّ وجود قضايا أخرى أكثر إلحاحاً. وبالتالي، لم يَعُد ثمّة مَن يريد الرئاسيات إلّا المستشارة الخاصة للأمين العام المتحدة إلى ليبيا، ستيفاني وليامز، التي ترى في الانتخابات فرصة لإيجاد قيادة سياسية يمكن التفاوض معها، بما ينهي المراحل الانتقالية المتعاقبة التي تعيشها البلاد منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي. ولذا، تُجري وليامز مفاوضات مكّوكية مع مختلف الأطراف، من أجل الوصول إلى صيغة تضْمن إجراء الانتخابات بحلول الصيف المقبل، توازياً مع إعلان «المفوضية العليا للانتخابات» مراجعة كشوف أسماء المترشّحين، تمهيداً لإعلان القوائم النهائية التي حال تأخُّرها دون إنجاز الاستحقاق الشهر الماضي.
أصبحت صياغة دستور للبلاد مطلباً رئيساً تجري مناقشته بين الأطراف المعنيّة


في غضون ذلك، أصبحت صياغة دستور للبلاد مطلباً رئيساً تجري مناقشته بين الأطراف المعنيّة، بهدف ضمان محاصصة مُرضية للجميع قبل التوجُّه إلى الانتخابات. لكن هذا الهدف الذي قد يستغرق تحقيقه عامين، يبدو حتى اللحظة صعب المنال، في ظلّ تمسُّك ويليامز بإجراء الرئاسيات في أسرع وقت. وفي ظلّ هذه التعقيدات، تتّجه الأنظار إلى ما سيقرّره مجلس النواب عبر اللجنة التي شكّلها خلال الفترة الماضية لمناقشة سيناريوات ما بعد تعثُّر الانتخابات، وسط خلاف ما بين رئيسه الذي يريد إقصاء الدبيبة، منافِسه في الانتخابات، وتشكيل حكومة جديدة للفترة الانتقالية المقبلة، وما بين ويليامز التي تؤيّد تمديد مهمّة رئيس الحكومة الحالي. والظاهر أن مسألة بقاء الدبيبة من عدمه ستحسمها التوافقات السياسية ما بين المتحاربين السابقين، ولا سيما في ظلّ الضغوط التي يتعرّض لها صالح من أجل دعم الإسراع في المسار السياسي، وليس استنزاف مزيد من الوقت.