ليس غريباً الصمت الشعبي في الإمارات على تنفيذ «أنصار الله» عملية «إعصار اليمن» التي شملت قصف أبو ظبي ودبي. هو قطعاً لا يعكس لا مبالاة؛ فالإجماع على فداحة المُصاب الإماراتي في الإعلام والسياسة العالميين أكبر بكثير من أن يتمّ تجاهله، إنّما قد يجلّي قناعة بأحقّية اليمنيين في الردّ على العدوان، بخاصة أنهم أظهروا عناية في اختيار الأهداف التي تُوصل الرسالة بأوضح شكل ممكن، من دون أن تُعكّر صفْو عيْش الإماراتيين. ولربّما يُظهر هذا الصمت، أيضاً، مدى الاستياء من مبالغة حاكم الدولة في التورّط في الدم اليمني، والتي أمْلت على «أنصار الله» تأديبه، كما أنه يفضح خوفاً من آتٍ أعظم ستجرّه على شعب الإمارات سياسة هذا الحاكم المغامر، ليس إزاء اليمن فقط، وإنّما في تدخّله في شؤون كثيرة لا تعنيه، وبخاصة إقامته علاقة لم يسبق لها مثيل عربياً، بإسرائيل التي كان صوتها في «إدانة» الهجوم هو الأعلى، لكن مع خيارات معدومة في أن تستطيع أن تقدّم لحليفها أيّ فائدة عملية، ذلك أنها هي نفسها «مقصوفة» من جانب المقاومة، ولا تملك عصًا سحرية لوقف القصف على مستوطناتها ومدنها.ماذا عسى الإماراتي أن يعلّق على حدث كهذا؟ أن يُدين مثلاً؟ هو يعرف تماماً أن حاكمه هو البادئ بالعدوان بفارق سنوات طويلة ذاق خلالها الشعب اليمني الأمرَّين قتلاً وتشريداً وحصاراً على أيدي «صقور الجوّ» الإماراتيين، وهم يحومون فوق الأحياء الصنعانية الفقيرة، بآخر ما ابتكرته مصانع الطائرات الأميركية التي يحرص ابن زايد على اقتناء الأقوى والأحدث منها مهما كان الثمن، مع مرتزقتهم من «عمالقة السلف» الذين تخندقوا في الخندق نفسه إلى جانب إسرائيل وأميركا. كما يعرف الإماراتي أن الردّ اليمني مستحَقّ منذ زمن طويل، وأن «الحكمة اليمانية» هي وحدها التي أخّرته، إلى أن جاء الردّ الأخير المُحكَم، وأوقع المعتدي في حيرة لا يعرف معها أيذهب يميناً أم يساراً. حتى ردّ الفعل السعودي «المُدين» شكلاً، يخفي سروراً بما حصل في أبو ظبي ودبي، بخاصة لأن ابن زايد كان قد أغضب حليفه السابق، محمد بن سلمان، حين تركه وحيداً في حرب اليمن قبل أن يعود ليتورّط فيها أخيراً. صار السعوديون يستطيعون القول اليوم إنّهم ليسوا وحدهم المتورّطين، وليسوا وحدهم من يتلقّى مسيّرات «أنصار الله» وصواريخهم، وأن «عمالقة» ابن زايد «ليسوا أرْجل من جماعتنا»، سواءً في «الإصلاح» أو قوات عبد ربه منصور هادي أو غيرهما.
تسعى الإمارات إلى توسيع ترسانتها من الأنظمة الإسرائيلية المضادّة للمسيّرات


ولأنه لا نصير لابن زايد في هذه المعركة على المستوى الشعبي الداخلي، ولا طبعاً على المستوى الشعبي العربي، حيث الانطباع السائد بأنه يتحمّل وحده وزْر ما يحدث وإن كان أحداً لا يريد أن يُمسّ شعب الإمارات، ولا المقيمون فيها بأيّ سوء، فإن حكومة الدولة ردّت على ثلاثة مستويات، وكلّها ردود انتقامية لن تستجلب إلّا مزيداً من الضربات على الإمارات: الأوّل القصف الجوّي المجنون لصنعاء وإيقاع المزيد من الضحايا بين المدنيين؛ والثاني السعي لدى الولايات المتحدة عبْر السفير يوسف العتيبة لإعادة إدراج «أنصار الله» على «لائحة الإرهاب» الأميركية بداعي أن الحركة قصفت أبو ظبي على رغم انسحاب الأخيرة من اليمن؛ والثالث الاستنجاد بإسرائيل للاستفادة من العلاقة معها في الحصول على حلول تقنية لقضية المسيّرات، وهذا ما ثبت أنه غير ممكن في أماكن كثيرة.
قصْف صنعاء سيستدرج، على الأرجح، ردوداً أقوى من «أنصار الله»؛ إذ لمّحت قيادات سياسية وأخرى عسكرية في صنعاء إلى أن ردّ القوّات المسلّحة اليمنية المقبل سيكون باستهداف «برج خليفة» في دبي ومواقع اقتصادية حسّاسة في أبو ظبي ودبي، وهو تهديد تمّ تداوله على نطاق واسع ضمن وسم «الإمارات غير آمنة» على «تويتر». أمّا في ما يتعلّق بطلب المساعدة من العدو الإسرائيلي، فنقل موقع «ميديا لاين» الإلكتروني عن الرئيس التنفيذي لشركة «سكايلوك» الإسرائيلية، إيتزيك هوبر، قوله إن الإمارات تسعى إلى توسيع ترسانتها من الأنظمة الإسرائيلية المضادّة للمسيّرات بعد هجوم أبو ظبي، وإن «الإماراتيين يسألون بماذا يمكننا تزويدهم في أسرع وقت ممكن، من ضمن لائحة طويلة من تلك الأنظمة». وتتخصّص الشركة المذكورة في تصميم وإنتاج تكنولوجيات للتعرُّف إلى الطائرات من دون طيار المهاجِمة، ومن ثمّ تحييدها، وقد نقلتها إلى 31 دولة من ضمنها الولايات المتحدة، وأخيراً المغرب.
ويقول هوبر إن الإمارات كانت ستتمكّن من إسقاط المسيّرات قبل الوصول إلى أهدافها لو أنها تمتلك تكنولوجيات الشركة، مضيفاً أن صدّ هجوم الطائرة المسيّرة يَفترض أوّلاً التعرُّف إليها، وهذا ما تتيحه التكنولوجيا الموجودة لدى الشركة التي تستطيع التقاط الهدف قبل وصوله بمسافة 20 كيلومتراً، وعندما تلتقطه يمكنها تحييده من خلال تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي في داخله أو نظام الملاحة أو إغلاق قدرته على تصوير الفيديو أو وقْف الذبذبات التي تسمح بطيران المسيّرات، لكن الوقائع تكذّب ذلك، خصوصاً أن الولايات المتحدة وإسرائيل نفسَيهما تفشلان في صدّ الهجمات بالطائرات المُسيّرة، كما يتّضح يومياً في العراق، حيث اعترفت القوات الأميركية بالفشل في العثور على علاج لهذا السلاح.