تسعى واشنطن عبر تحرّكاتها الأخيرة إلى تحصين الكيان الكردي في منطقة شمال شرقيّ سوريا
وأجرى بيرل، الأسبوع الماضي، سلسلة لقاءات مع ممثّلين عن الأحزاب الكردية التابعة لـ«المجلس الوطني الكردي»، ومع «الإدارة الذاتية»، بهدف تذليل العقبات أمام إعادة إحياء المفاوضات. وجاءت هذه اللقاءات بعد ضغوط أميركية على «قسد» للانسحاب من الخطّة التي قدمتها روسيا لإجلاس الأكراد على طاولة الحوار مع دمشق، الأمر الذي أثار غضب موسكو، وفق ما تجلّى في مواقف عديدة، آخرها تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي دعا «قسد» إلى «النظر بعيداً»، معتبراً أن «الأميركيين ليسوا من سيقرّر مصير المنطقة». وأشار لافروف أيضاً إلى التجربة العراقية، حاضّاً «قسد» على الاستفادة منها، والتوصّل إلى صيغة تفاهمية مع الحكومة المركزية في دمشق. بدورها، نشّطت الحكومة السورية عمليات المصالحة في مناطق شمال شرقي سوريا، وصولاً إلى الرقة، وهو ما استفزّ واشنطن ومعها «قسد»، لكون هذه المصالحات، وعلى الرغم من النطاق الجغرافي الضيّق لها حتى الآن، تشكّل بوّابة لاختراق المشروع الأميركي.
في ظلّ هذه الأوضاع، يبدو أن «قسد» ستكون أمام مجموعة سيناريوات صعبة خلال الفترة المقبلة، لعلّ أبرزها اثنان. أوّلهما المُضيّ قُدُماً في المشروع الأميركي الذي سيؤدّي إلى إعادة هيكلة منطقة «الإدارة الذاتية»، والحدّ من تأثير «حزب الاتحاد الديموقراطي» لمصلحة الأحزاب المدعومة من تركيا و«كردستان»، والتي على الرغم من محدودية حضورها على الأرض، ستجد بالدعم الاقتصادي الكبير الذي ستتلقّاه طريقاً لصعودها. أمّا الخيار الثاني، فالعودة إلى الطاولة الروسية، والبحث عن مخرج بالتوافق مع دمشق، الأمر الذي يَشعر قادة «قسد» أنه سينهي مشروع «الإدارة الذاتية» بشكلها الحالي، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن مخرج ثالث عن طريق المماطلة ومحاولة كسب المزيد من الوقت لتثبيت حضور «الإدارة الذاتية»، عبر عملية الإحصاء التي تقوم بها في الوقت الحالي في مناطق سيطرتها، والاستمرار في إعداد «العقد الاجتماعي» الذي تسعى إلى تكريسه في تلك المناطق، قبل الخوض في أيّ مفاوضات سياسية.
وبينما يشكّل عامل الوقت إحدى وسائل «قسد» الدفاعية، فهو يمثّل أيضاً عنصر ضغط كبير عليها، بسبب زيادة الضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها مناطق سيطرتها مع مرور الوقت، في ظلّ محدودية الدعم الأميركي لها، وإغلاق إقليم «كردستان» معابره معها، بالإضافة إلى استمرار المعارك مع الفصائل المدعومة تركياً، وما نتج عن تلك العوامل مجتمعةً من حالة غضب شعبي في تلك المناطق. وبذلك، يبدو رهان «قسد»، التي تريد «العنب والسلّة» على السواء، أمام تحدّيات قد تؤدي في النهاية إلى خسائر كبيرة لا يمكنها تحمّلها.