الخرطوم | أعلنت «لجان المقاومة» و«تجمّع المهنيين السودانيين» والمجلس المركزي لـ«قوى الحرية والتغيير» ونحو أكثر من 20 تنظيماً مهنياً في مختلف المجالات الصحّية والتعليمية والمالية والهندسية والخدمية والتجارية والصناعية، العصيان المدني الشامل، وإغلاق الشوارع والأسواق والمحالّ التجارية، بعد ارتفاع عدد قتلى احتجاجات الإثنين على يد قوات الأمن السودانية إلى 7، وإصابة أكثر من 200 منهم بالرصاص الحيّ وعبوات الغاز المسيل للدموع، واعتقال 77 آخرين من الناشطين في «لجان المقاومة» التي تقود الحراك الشعبي ضدّ انقلاب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في 25 تشرين الأوّل من العام المنصرم، وتدعو إلى سلطة انتقالية مدنية كاملة وإعادة العسكر إلى ثُكناتهم. وتأتي هذه التطوّرات في الوقت الذي يقود فيه رئيس بعثة «يونيتامس» التابعة للأمم المتحدة إلى الخرطوم، فولكر بيرتس، مبادرة لحلّ الأزمة السياسية في البلاد، الأمر الذي رحّب به «مجلس السيادة»، مُقترِحاً إشراك الاتحاد الأفريقي في المبادرة، فيما أَعلنت «قوى الحرية والتغيير» أنها ستَقبل الوساطة الأممية إذا كان الهدف منها إرساء حُكم مدني. أمّا «لجان المقاومة» و«تجمّع المهنيين» فقد رفضاها تماماً باعتبارها تطبيعاً مع الانقلاب، وذلك قُبيل الزيارة المرتقبة لمساعِدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية مولي في، والمبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي ديفيد ساترفيلد.
انقسام سياسي
وكان المجلس المركزي لـ«قوى الحرية والتغيير»، المناوئ للانقلاب، أعلن، في مؤتمر صحافي في الـ16 من كانون الثاني الجاري، أنه التقى بيرتس، وقرّر التعاطي بإيجابية مع مبادرته. لكنّ الناطق الرسمي باسم المجلس، وجدي صالح، شدّد على «ضرورة تحديد سقف زمني للعملية السياسية، وفقاً لإجراءات واضحة»، مُطالِباً في الوقت ذاته بـ«إنهاء حالة الطوارئ». كذلك، التقت القوى السياسية السودانية مبعوث الاتحاد الأفريقي ومفوّضه للشؤون السياسية والسلم والأمن، أيدوي بانكولي، الذي أبدى، في تصريحات صحافية، استعداد الاتحاد لدعم التوافُق بين كلّ الأطراف السياسية من أجل تحقيق الانتقال. وحظيت مبادرة بيرتس بتأييد عدد من القوى السياسية (مقابل تحفُّظ أخرى ورفْض قسم ثالث كالحزب الشيوعي)، إلّا أن تصعيد العنف ضدّ المتظاهرين، الذين بلغ عدد ضحاياهم 71 منذ انقلاب البرهان، وفقاً لـ«لجنة الأطباء المركزية»، وإعلان مجلس الأمن والدفاع الذي يترأّسه قائد الجيش، الإثنين، تأسيس «قوة خاصة لمكافحة الإرهاب»، في ما فُسّر على أنّه توجُّه لزيادة جرعة القمع، أحرجا «يونيتاميس»، التي دانت استخدام القوّة ضدّ المحتجّين، مُجدِّدةً دعوتها إلى وقْفه و«إجراء تحقيقات ذات مصداقية».
قُرئ تأسيس «قوة خاصة لمكافحة الإرهاب» على أنّه توجُّه لزيادة جرعة القمع


مرحلة حاسمة
إزاء ذلك، يَعتقد الباحث والمحلّل السياسي، عمر حسنين، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قادة الانقلاب ليست لديهم رغبة حقيقية في تسليم السلطة إلى المدنيين»، مستدلّاً على رأيه بأنه «كلّما طُرحت مبادرات من أجل إيجاد تسوية سياسية وصيغة توافقية، كلّما أَوغل قادة الانقلاب في القتل». ويُذكّر حسنين بـ«حادث مقتل قائد فرقة الاحتياطي المركزي في الشرطة السودانية، العميد علي بريمة، واتّهام الحكومة المحتجّين بالمسؤولية عنه، على رغم أن كلّ الحيثيات تؤشّر إلى أن جهة ما، ربّما هي الحكومة نفسها، هي مَن دبّرت الحادث توطئة لمزيد من القمع والعنف بحق المتظاهرين السلميين». وفي السياق نفسه، على الأرجح، يأتي بحسب المحلّل السياسي «الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن والدفاع، والذي أُعلن خلاله تشكيل فرقة متقدّمة لمكافحة الإرهاب، ستكون مهمّتها التصدّي الوحشي للاحتجاجات، في الغالب، وهذا ما حدث في مواكب الإثنين».
بدورها، ترى الصحافية والمحلّلة السياسية، رابحة عطا الله، أن «المكوّن العسكري الذي يدير السودان منفرداً منذ انقلاب البرهان، يعيش العجز والشلل التام في تسيير مهامّ الدولة الأمنية والاقتصادية والإدارية»، لافتة إلى أنه «فشل حتى الآن في تسمية رئيس للوزراء خلَفاً لعبدالله حمدوك المُستقيل، كما عجز عن خلْق حالة من التوافق السياسي وعن التعامل بحنكة وذكاء مع التظاهرات الضخمة، فاستخدم الأدوات القديمة نفسها من قتل وسحل واعتقالات، ما أسهم في تأليب الرأي العام الداخلي والخارجي ضدّه، حتى أصبح معزولاً تماماً عن الشعب، ولربّما سيَحدث ذلك مع المجتمع الدولي تدريجياً في حال فشل المبادرة الأممية الأفريقية الراهنة».