غزة | بعد أسابيع على لقاء رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وزير جيش الاحتلال، بيني غانتس، في منزل الأخير في تل أبيب، تكشّفت تفاصيل جديدة بشأن التعهّدات التي قدّمها عباس للإسرائيليّين، مقابل عمَل الأخيرين على منْع انهيار السلطة، والتي من بينها تعطيل عمل عدد من اللجان الفلسطينية التي تجمع أدلّة لإدانة إسرائيل دولياً، وسط تأكيد إسرائيلي للأمر، ونفْي غير مباشر من قِبَل رام الله. وبعدما كشفت «القناة 12» العبرية أن مكتب عباس أبلغ إحدى اللّجان التابعة لوزارة الخارجية الفلسطينية، بتجميد عملها في هذه المرحلة، ردّ وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، بالنفي، وقال: «ما دامت هناك جرائم للاحتلال، فهناك تقارير تُرفع إلى لاهاي، ومن يقدّم التقارير الشهرية إلى المحكمة هو وزارة الخارجية، وهي لم تتوقّف عن تقديم تقاريرها الدورية، أو تتأخّر في تقديم أيّ تقرير».
وعلى رغم نفْي المالكي، إلّا أن مصادر في السلطة أكّدت، لـ«الأخبار»، أنه «تَقرّر، بالفعل، إيقاف عمل لجنة واحدة من ثلاث لجان في وزارة الخارجية، لجمع أدلّة حول جرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وفقاً لقرار صادر عن عباس الأسبوع الماضي». وأوضحت المصادر أن «اللجنة التي تمّ تجميد عملها مؤقّتاً، تهتمّ بتقصّي المعلومات حول جرائم القتل التي يمارسها الجنود والمستوطنون ضدّ الفلسطينيّين العزّل في الضفّة المحتلّة، فيما لم يَصدر بعد قرار بحلّها أو تكليفها بأعمال أخرى». وبيّنت أن «رؤية عباس، بخصوص محاكمة دولة الاحتلال، تتلخّص في خلْق ورقة ضغط على الإسرائيليين للعودة إلى مسار المفاوضات خلال الفترة المقبلة، نظراً إلى أن إسرائيل تنْظر إلى قضية محاكمتها دولياً على أنها أمر خطير يؤثّر على سمعتها ومكانتها، وقد يؤدّي إلى تراجع الإنجازات الديبلوماسية التي حقّقتها في العقود الأخيرة».
عطّل عباس عمل «اللجنة الوطنية لمتابعة محكمة الجنايات الدولية» التي تشكّلت عام 2021


وكان غانتس عرض على عباس، خلال لقائهما الأخير، مطلبَين اثنَين: الأوّل، وقْف رواتب الأسرى وعائلات الشهداء؛ والثاني، عدم التوجّه إلى «محكمة الجنايات الدولية». لكن «أبو مازن» ردّ على مُضيفه بأنه سيكون على استعداد للاستجابة للمطلب الأخير، حالَ موافقة إسرائيل على تفعيل العملية السياسية، وأنه من الصعب عليه تنفيذ ذلك كلّياً في هذه المرحلة. وعليه، يسعى عباس، حالياً، بحسب المصادر نفسها، إلى الضغط على الحكومة الإسرائيلية، عبر الاستمرار في إجراءات المحاكمة، على أن يتمّ وقْف تلك الإجراءات فوْر إقرار تل أبيب العودة إلى مسار المفاوضات. وتُعوّل رام الله، في هذا الإطار، على إطلاق عمّان والقاهرة، برعاية أميركية، مبادرة جديدة خلال الفترة المقبلة، لتحريك العملية السياسية، ترجمةً لِما تمّ الاتفاق عليه في اللقاءات التي عقدها عباس، بداية العام الحالي، مع الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وجاءت مطالبة الاحتلال بوقف التحرّك الفلسطيني على المستوى الدولي وفي محكمة الجنايات، على ضوء توقّعات بأن يُصدر المدّعي العام في لاهاي قراراً بفتح تحقيق في جرائم ارتكبها الإسرائيليون في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلّتَين. كما جاءت فيما تبنّى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، منتصف عام 2021، قراراً بإنشاء لجنة للتحقيق في الانتهاكات والتجاوزات في الأراضي المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، حتى 13 نيسان 2021. وإلى جانب لجنة الخارجية، عطّل عباس عمل «اللجنة الوطنية لمتابعة محكمة الجنايات الدولية» التي تشكّلت عام 2021، لتمثّل كلّ ألوان الطيف الفلسطيني ورموز المجتمع المدني والحقوقي والقانوني في فلسطين، إلّا أن اللجنة لم تنعقد أو تمارس أيّاً من المهام المنوطة بها حتى الآن.