تدعو مجموعة من الباحثين الإسرائيليين إلى إجراء تعديل جوهري في العقيدة الأمنية، على ضوء المتغيرات التي طرأت على الواقع المحيط بإسرائيل منذ أن أرسى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول، دافيد بن غوريون، هذه العقيدة في خمسينيات القرن الماضي. ومن المتوقع أن يقدم الباحثون توصياتهم إلى التعديلات خلال مؤتمر هرتسليا الرابع عشر الذي افتتح أعماله أمس وسيستمر حتى غد الثلاثاء.
هذه التوصيات هي خلاصة سلسلة من الاجتماعات والمباحثات التي توصل إليها فريق الباحثين ضمن رئاسة البروفسور أليكس مينتس على مدى الأشهر الماضية. ويستند طاقم الخبراء في بلورة توصياتهم إلى «التحولات التي حدثت في الشرق الأوسط والميزات الجديدة للواقع الأمني في المنطقة، بما في ذلك التطورات التكنولوجية في مجالي السايبر والفضاء».
وكان بن غوريون قد أرسى العقيدة الأمنية على ثلاث ركائز هي: الردع، الإنذار والحسم، وكذلك إدراك أن «واقع انعدام التماثل في القدرات الاقتصادية والديموغرافية بين إسرائيل والدول العربية المعادية لا يسمح للأولى بإحراز انتصار نهائي». لذلك، اعتقد بن غوريون أن على تل أبيب أن تحاول التوصل إلى انتصارات متكررة في ساحة الحرب لدفع العرب إلى التسليم تدريجاً بوجودها. عام 2006 أوصت لجنة برئاسة وزير الاستخبارات السابق، دان ميريدور، بإضافة ركيزة رابعة إلى الثالوث الأمني الإسرائيلي، هي الحماية، «التي تُعنى أساساً ببلورة آليات فعالة لحماية الجبهة الداخلية من الصواريخ المعادية».
وتقترح وثيقة التعديلات المقترحة، التي سيعرضها البروفسور مينتس في المؤتمر، أربعة عناصر جديدة تتألف منها العقيدة الأمنية المحدثة هي: الإحباط والمنع، التحالف مع الولايات المتحدة، التحالفات الإقليمية والتأقلم. يتعلق عنصر الإحباط والمنع بالسياسة التي تنتهجها إسرائيل عملياً منذ سنوات، وقوامها استخدام الوسائل التي بحوزتها من أجل إجهاض التهديدات غير التقليدية ضدها، بدءاً من استهداف العلماء الألمان الذين عملوا في برنامج الصواريخ المصري في الستينيات، مروراً بمهاجمة المفاعل النووي العراقي عام 1981، وصولاً إلى الهجمات التي شنتها في سوريا كدير الزور عام 2007 لاستهداف مفاعل نووي، أو أماكن أخرى حيث جرى استهداف قوافل سلاح في طريقها إلى حزب الله، وفق الرواية العبرية غير الرسمية.

تقترح التعديلات 4 عناصر جديدة تضاف إلى 3 وضعها بن غوريون

ويشدد واضعو الوثيقة على أهمية العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة بوصفها عنصراً أساسياً في العقيدة الأمنية. ويرون في هذه العلاقات «الذخر السياسي والأمني الأكثر أهمية بالنسبة إلى تل أبيب على الساحة الدولية»، لذلك يشددون على أهمية أن تعطى الأولوية لتنمية هذه العلاقات بأكبر قدر ممكن.
وفي ما يتعلق بعنصر التحالفات الإقليمية، تشير الوثيقة إلى ثلاثة مجالات استراتيجية ينبغي لإسرائيل أن تدفع فيها باتجاه بلورة تحالفات رسمية وغير رسمية، ومنها مبادرة السلام العربية بوصفها أساساً للتعاون الإقليمي مع السعودية ودول الخليج، والعلاقات مع دول شرق أفريقيا ذات السكان المسيحيين، وفي مقدمها إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان وأوغندا، وثالثاً دول الحوض الشرقي للمتوسط، ومن بينها قبرص واليونان ودول البلقان.
أما العنصر الرابع المتعلق بالتأقلم، فكانت بلورته على ضوء الفوضى التي شهدتها الدول العربية في الأعوام الأخيرة، فتشير الوثيقة إلى «مفعول الفراشة» الذي بدأ مع الاحتجاجات التونسية في كانون الأول 2010، «وتغيّر بفعله الواقع الشرق أوسطي». وفق الوثيقة، فإن التحولات المتواترة والمتطرفة في المنطقة توجب «تطوير آليات تعلم ووسائل لصناعة القرار خلال مدة زمنية قصيرة تسمح بتقليص الأضرار على إسرائيل».