الجزائر | يُنتظر أن يكتمل وصول الوفود المُمثّلة لكبرى الفصائل الفلسطينية إلى الجزائر العاصمة، في غضون هذا الأسبوع، بعدما وصل إليها، يوم السبت الماضي، وفد من حركة فتح برئاسة القيادي عزام الأحمد، لبدء مباحثات تُمهّد لعقد مؤتمر جامع. وسيكون هذا المؤتمر تجسيداً للاتفاق بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، خلال زيارة الأخير للجزائر في 6 كانون الأول الماضي، والتي أعلن فيها قرار بلاده احتضان مؤتمر للفصائل الفلسطينية من أجل «إنهاء الانقسام واستعادة الحوار والعمل المشترك بين الفلسطينيين»، وهو هدف تَعتبره الجزائر استراتيجياً، في ظلّ مساعيها إلى إحياء دورها عربياً وإقليمياً، خصوصاً أنها تستعدّ لاحتضان القمة العربية المرتقَبة في شهر آذار المقبل.ويَظهر التحرّك الجزائري في هذا التوقيت كما لو أنه سباحة ضدّ التيار في العالم العربي، كون القضية الفلسطينية تراجعت في سُلّم الاهتمامات ودخلت دائرة النسيان في دبلوماسيّات بعض الدول المؤثّرة، في مقابل ظهور نزعة تطبيعية غير مسبوقة مع إسرائيل، أدّت إلى إقامة دول عربية علاقات كاملة بهذا الكيان، وصلت في حالة دول مثل المغرب، الجارة الغربية للجزائر، إلى بناء تحالف استراتيجي والدخول في اتفاقيات أمنية وعسكرية مشتركة، في انقلاب تامّ على المعايير التي ظَلّت تَنظر إلى إسرائيل كعدو أوّل ومشترك، على الأقلّ في الوجدان العربي.
وفي الواقع، تميّزت الجزائر، في الأيّام الأولى لظهور «اتفاقيات أبراهام» أيام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بموقف شديد الوضوح من هذه المسألة، عبْر تصريح الرئيس تبون الذي قال بنبرة أسف إن «الجزائر تلاحظ نوعاً من الهرولة نحو التطبيع، وهي ترفض الانخراط فيها أو مباركتها». ولم تتجرّع الجزائر، بعد ذلك، انخراط المغرب في هذا المسعى، عبر مقايضة التطبيع مع إسرائيل بالحصول على اعتراف أميركي بسيادته على الصحراء الغربية، التي تطالب الجزائر بتمكينها من حق تقرير المصير بناءً على قرارات الأمم المتحدة. وذهبت الجزائر بعيداً في رفضها لما قام به المغرب، وأعلنت في آب 2021 قرار قطع العلاقات مع هذا البلد وحظر الأجواء الجزائرية على طائراته، استناداً إلى جملة معطيات أهمّها السماح لوزير الخارجية الصهيوني بتهديد الجزائر مِن على الأرض المغربية، في ما اعتبره وزير الخارجية الجزائرية، رمطان لعمامرة، سابقة في تاريخ العلاقات العربية - العربية منذ ظهور الكيان الصهيوني.
تريد الجزائر إعادة وضع القضية الفلسطينية في قلْب اهتمامات الجامعة العربية


وبدا أن هذه الأحداث شكّلت انعطافة في الأسلوب الدبلوماسي الجزائري، الذي أصبح مباشراً وهجومياً، ضمن الخطّ نفسه المُجاهِر بمساندة القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، يمكن قراءة الحفاوة التي حظي بها عباس لدى زيارته الجزائر، حيث دُعي إلى استقباله كلّ السفراء المعتمدين في البلاد، كنوع من الإشهاد الدبلوماسي على الموقف الجزائري الرافض للتطبيع. وخلال تلك الزيارة أيضاً، أرادت الجزائر الانتقال إلى دائرة الفعل، عبر الدعم المادي المتمثّل في منْح السلطة الفلسطينية 100 مليون دولار، والدعم السياسي من خلال إظهار استعدادها لاقتحام ملفّ المصالحة الفلسطينية الشائك، وهو ما قابلته الفصائل بالترحيب. ولا يُستبعد أن يكون الحديث عن زيارة محتملة للرئيس الجزائري لمصر، بعيداً من السياق الفلسطيني؛ فالجزائر من وراء انخراطها في مسار المصالحة، لا تريد وفق بعض القراءات أن تكون مزاحِمة للقاهرة، بقدر ما تتطلّع إلى أن يكون دورهما متكاملاً، قبل أشهر فقط من استقبال القادة العرب على أراضيها.
وتريد الجزائر، من وراء السعي لتحريك المصالحة الفلسطينية قبيل انعقاد القمة العربية، وفق المعطيات السياسية لموقفها، إعادة وضع القضية الفلسطينية في قلْب اهتمامات الجامعة العربية، وجعلها القاسم المشترك الأكبر بين العرب، وذلك من خلال إحياء منطلقات مشتركة مثل «المبادرة العربية للسلام» لقمة بيروت 2002، والتي تعيد الجزائر في كلّ المناسبات الدولية التذكير بها، على الرغم من أنها مبادرة لا تحظى لدى الطبقة السياسية الجزائرية بالإجماع؛ فبعض الأحزاب الإسلامية واليسارية ترفضها بقوة. كما أن النجاح في تحقيق تقارب بين الفصائل الفلسطينية، سيعزّز، من وُجهة النظر الجزائرية، من مركز السلطة التفاوضي، على الأقلّ في الجامعة العربية، لوقف قطار التطبيع الذي يصبّ بالكامل في خدمة إسرائيل ولا يُحقّق أيّ مكتسب للفلسطينيين.