مقالات مرتبطة
-
موجة احتجاجات في الشمال: التتريك لا يروّض السوريّين محمود عبد اللطيف
ملّت تركيا حالة الاقتتال الدائمة بين الفصائل المنتشرة في مناطق سيطرتها
الصورة المتباينة بين الحالتين، أفسحت المجال أمام الجولاني للسعي إلى قضم المناطق التي تسيطر عليها تركيا، وهو ما بدأ العمل عليه فعلاً، عن طريق تقوية علاقته ببعض المكوّنات العشائرية، ودعم عمليات الاقتتال الدائرة بين الفصائل المنتشرة في تلك المناطق لتعميق حالة الفوضى هناك. وولّدت هذه الظروف ردود فعل عنيفة من السكان، لترتفع الأصوات المطالبة باستقالة «الحكومة المؤقتة» (حكومة الائتلاف)، بالتوازي مع ظهور أصوات تنادي بوحدة الجماعات بما فيها «هيئة تحرير الشام»، وهي الفرصة التي ينتظرها الجولاني لقضم المساحات المذكورة كما قضم سابقاتها، عن طريق الانخراط في عمليات توحيد بين الفصيل الذي يسيطر عليه وفصائل أخرى، قبل أن يقوم بحلّ الأخيرة والسيطرة عليها بشكل كامل.
ويبدو أن تركيا قد ملّت حالة الاقتتال الدائمة بين الفصائل المنتشرة في مناطق سيطرتها، خصوصاً أن سببها في معظم الأحيان خلافات على السيطرة على معابر التهريب والمسروقات، إضافة إلى فشل محاولاتها دمج تلك الفصائل، عن طريق دعم عمليات التوحيد العديدة التي قامت في ما بينها، والتي ما لبثت أن انحلّت جميعها، الأمر الذي دفع أنقرة إلى بدء اتّباع سياسة جديدة تمهيداً لدمج المناطق المذكورة بشكل كامل. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار»، فإن تركيا أجرت سلسلة من اللقاءات مع قياديين في مناطق سيطرتها لتقريب وجهات النظر مع «هيئة تحرير الشام»، تبعها إجراء تغييرات عدة في السياسة التركية. وذكرت حسابات «جهادية» ناشطة على موقع «تويتر» أن من بين تلك التغييرات، إقالة ضابط الارتباط التركي الذي يُعرف باسم «أبو سعيد» الذي عُرف بانحيازه التامّ للجولاني، وتعيين ضابط جديد أكثر انفتاحاً على بقية الفصائل، وذلك لتقريب المسافة بين الأخيرة وبين «تحرير الشام».
التقارب الكبير الذي تدعمه أنقرة، بين جماعة الجولاني وبقية الجماعات، يأتي في وقت تنتظر موسكو من أنقرة أن تفي بتعهّداتها بعزل «الإرهابيين» في إدلب، الأمر الذي يبدو أن تركيا ترغب بتجاوزه عن طريق دمج فصيل الجولاني، الذي قدّم لتركيا الطاعة المطلقة، ببقية الفصائل، وتصدير هذا المزيج على أنه «فصائل معتدلة». ويأتي ذلك بعد أن تمكّن زعيم «هيئة تحرير الشام» من إنهاء وجود عدد كبير من الفصائل التي يضمّ بعضها مقاتلين أجانب، وهو ما يمْكن أن تقدّمه تركيا أيضاً على أنه «وفاء بتعهّداتها بعزل الإرهاب والقضاء عليه». وتُوفّر الظروف الحالية، والمساعي التركية المتواصلة لـ«توحيد الفصائل»، الأرضيّة المناسبة للجولاني لتحقيق حلمه بإعادة استنساخ تجربة «طالبان» في سوريا، وهو السيناريو الذي يبدو أن تركيا تريده أيضاً، لضمان تشكيل طوق تابع لها بشكل مطلق قرب حدودها مع سوريا، يوفّر لها بالإضافة إلى حماية حدودها والمشاريع الاقتصادية التي تنفّذها، مصدراً مستمرّاً للمقاتلين الذين يمكنها أن تستثمرهم في صراعات إقليمية ودولية عدة، مثلما استثمرتهم في الحرب الأذربيجانية - الأرمينية الأخيرة، وفي الساحة الليبية.