استقالة حمدوك لم تضرّنا والأحزاب موقفها ضبابي دفَعْنا باهظاً ثمن تسوية 2019 ولن نُكرّر خطأنا

يرفض «تجمّع المهنيين السودانيين»، بشكل قاطع، المبادرة الأممية المنطلِقة حديثاً لإيجاد حلّ للأزمة السياسية المتواصلة في السودان، معتبراً إيّاها محاوَلة للدفْع في اتّجاه التطبيع مع المجلس العسكري. ويؤكد المتحدث الرسمي باسم التجمع، مهند مصطفى النور، في حوار مع «الأخبار»، تمسّك «المهنيين» بهدفه المتمثّل في إسقاط الانقلاب بشكل كامل، جازماً «(أننا) لن نُكرّر أخطاء الماضي»، في إشارة إلى توقيع الوثيقة الدستورية مع العسكر عام 2019

ما موقف «تجمّع المهنيين» من دعوة الممثّل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة «يونيتامس»، فولكر بيرتس، إلى إجراء مشاورات لبدء حوار سياسي بين «أصحاب المصلحة» السودانيين؟
الدعوة مرفوضة، ونحن في التجمّع غير معنيّين بها، وأكدنا في بيان رسمي أنها تسعى للدفْع في اتّجاه التطبيع مع المجلس العسكري الانقلابي. بالنسبة إلى التجمّع، الطريق لحلّ الأزمة يبدأ بإسقاط المجلس العسكري، وتقديم أعضائه للعدالة على ما اقترفوه بحق الشعب.

لكن ألا تجدون أن استقالة عبدالله حمدوك وضعتكم في مأزق كبير، حيث بِتْم في مواجهة مباشرة مع العسكر وحلفائه من المجموعات المسلّحة، بالإضافة إلى الدولة العميقة من فلول النظام السابق؟
القوى الثورية ثابتة على موقف واحد، وهو إسقاط الانقلاب وتأسيس سلطة مدنية من دون العسكر، ولذلك لم تتأثّر هذه القوى بتوقيع الاتفاق بين (قائد الجيش عبد الفتاح) البرهان وحمدوك في 21 تشرين الثاني الماضي، والذي كان أشبه بعقْد عمل تمّ بموجبه استخدام حمدوك لإنجاز مهام محدّدة، وهي: تهدئة الشارع، واستعادة المساعدات الاقتصادية التي أُوقفت. ومن هنا، فإن استقالة حمدوك أو تنحّيه في الواقع؛ حيث أجبره الشارع عليها، لا تؤثّر كثيراً في معسكرنا، فالتظاهرات المجدوَلة مستمرّة في أوقاتها ولن تتوقف. ولذلك، لا نرى أن هناك مأزقاً، بل العكس، فالاستقالة فتحت الطريق إلى الثورة بالنسبة إلى بعض من كانوا يعلّقون آمالاً على حمدوك، رغم خيانته للثورة. كما كشفت الاستقالة الغطاء عن العسكر، حيث إن المجتمع الدولي كان يتعامل مع عقْد العمل بين البرهان وحمدوك كبداية لاستعادة الحكومة المدنية كاملة. بطبيعة الحال، نحن نعوّل بشكل أساسي وجذري على الداخل، على قوى الثورة الحيّة، لجان المقاومة وتجمّع المهنيين والأجسام المطلبية والفئوية.

أين موقع الأحزاب السياسية من الحراك؟ لماذا استبعدْتَها؟
أنا لا أعني إقصاء الأحزاب السياسية، بل أؤكد على أهمية وجودها، فبدونها لا يمكن بناء دولة مدنية ديموقراطية، لكن عليها الاستفادة من الحراك الثوري في إعلان موقفها من الثورة بوضوح، إذ إنه لا يزال ضبابياً لدى معظمها. نحن نسعى الآن إلى إحداث تغيير جذري قد يتعارض مع مصالح بعض الأحزاب ذات الامتيازات التاريخية، لذلك قطعت هذه الأحزاب الطريق أمام الثورة ولعبت دور حصان طروادة، بكلّ أسف.

ماهي خططكم وأدواتكم لإجهاض الانقلاب، وتشكيل خارطة جديدة تقود إلى «دولة مدنية ديموقراطية»، كما تدْعون؟
نحن في خضمّ ثورة، أدواتنا الأساسية هي المسيرات المليونية السلمية، ففي خلال شهرَين فقط بعد الانقلاب، خرج أكثر من اثني عشر موكباً ضخماً، قدّمنا خلالها شهداء وجرحى، ولدينا العديد من التكتيكات الأخرى مثل العصيان المدني، الإضرابات، المواكب الليلية، الوقفات الاحتجاجية، كلّها أدوات ثورية متاحة وأثبتت جدواها ونجاحها في تركيع الانقلابيين. فبعد أن كُنّا نحن مَن نغلق الشوارع، أصبحوا هم مَن يغلقونها بالحاويات الضخمة، كما أن هناك أساليب أخرى، مثل التوقّف عن سداد الضرائب والرسوم للدولة، وإيقاف التحويلات المالية من الخارج، ومقاطعة وعزل رموز الانقلاب اجتماعياً.

ما هو تصوّركم لمستقبل قادة الجيش و»الدعم السريع»؟
هؤلاء مَن قوّضوا النظام الدستوري وانقلبوا عليه، وارتكبوا جرائم قتل بحقّ المدنيين والمتظاهرين السلميين، ويجب أن لا يفلتوا من المحاكمة، فشعار «العسكر للثكنات» قابل للتحقّق، فلا يوجد دولة محترمة في العالم تقْبل بحُكم عسكري.

تدعو المسودة المقترحة لـ»ميثاق استكمال الثورة» إلى إسقاط المجلس العسكري بشكل كامل، وتشكيل سلطة انتقالية مدنية كاملة بمجلس سيادة مدني رمزي، ألا تبدو هذه الدعوة مثالية وغير واقعية؟
هذا حديث غير صحيح، وهناك محاولات بائسة من القوى المعادية للثورة لخلْق نوع من التوازي أو المنافسة بين التجمع ولجان المقاومة التي كانت وما زالت القيادة الفعلية للحراك وعصب الثورة، فليس هناك مجال لبعض مَن يحاولون التقليل من دور لجان المقاومة، ولا يريدون لها أن تكون قوية ومنظّمة كما هي الآن. هذه الجهات عمدت إلى إضعاف لجان المقاومة، فيما يرى تجمع المهنيين في لجان المقاومة ضماناً لاستمرار الثورة والحراك في الشارع، وليس هناك أيّ منافسة بيننا بل تنسيق وتعاون، أمّا رؤيتنا في ما يتعلّق بإسقاط الانقلاب فنراها واقعية وممكنة التحقيق.
ابتدع الانقلابيون تجمعاً مهنياً موازياً في محاولة للتشويش على الشارع


لكنّ المسودة المطروحة أهملت «اتفاق جوبا للسلام»، وهذا ما قد يدفع الحركات المسلّحة، في حال تمكّنتم من إطاحة الوضع القائم، إلى العودة إلى لغة السلاح، فما ردّكم؟
بالنسبة إلينا في تجمع المهنيين، فإنّنا نَعتبر ما حدث في جوبا اتفاقاً فوقياً، لا يعالج جذور الأزمة السودانية، فالمسارات التي اقترحها لم تسفر عن نتائج، وبالفعل فقد تمّ الآن تعليق مسار شرق السودان الوارد ضمنها، بما يعني انهيار الاتفاقية برمّتها، فلا يمكن أن يُعلَّق جزء منها ويظلّ ما تبقّى سارياً ونافذاً. وبالمناسبة، فإن بعض الأطراف المُوقّعة على اتفاق جوبا تَعتبره فاشلاً. وعليه، فإن تجمع المهنيين دعا في ميثاقه السياسي إلى معالجة مسألة الحرب والسلام بالجلوس إلى طاولة الحوار داخل السودان.

يصف البعض الحراك الذي تقودونه بالعدَمي والصفري، ويدعونكم بدلاً من ذلك إلى الجلوس مع الفاعلين الآخرين في المشهد، ولا سيما العسكريين، توازياً مع إبقاء الضغط في الشارع، للوصول إلى صفقة سياسية مُرضية؟
مرّة أخرى، هناك فرق بين الثورة والصفقة السياسية، فالثورة تعني التغيير الجذري وعدم تكرار أخطاء الماضي، لذلك تبنّيْنا لاءات الشارع الثلاث (لا شراكة، لا تفاوض، لا مساومة). وأيضاً، لا شرعية لهذا الانقلاب، لأن التسوية التي تمّت في عام 2019 بتوقيع الوثيقة الدستورية، كانت فاتورتها باهظة، دفَعَها الشعب مزيداً من الشهداء والمفقودين والمعتقَلين. ما زالت الأوضاع في السودان مأساوية، لقد فقدنا مئات الشهداء، فيما أُجبر الآلاف على النزوح من ديارهم في إقليم دارفور في الشهور الماضية، وفي جنوب كردفان، ولا يزال مواطنو شرق السودان يعانون التهميش والفقر والمرض. لذلك، فالحديث عن صفقة أو تسوية مرفوض تماماً. صحيح أن الحوار هو الطريق الأمثل لإيجاد حلول للقضايا والأزمات، لكن جرّبناه ووقّعنا الوثيقة الدستورية، فانقلب عليها العسكريون بعدما قتلوا المعتصمين وزجّوا بشركائهم في المعتقلات، فلا يمكن الوثوق بهم، ولا يمكن أن نكرّر أخطاء الماضي ونجلس إلى القتَلة الذين احترفوا سفك دماء الشعب وأنهكوه بسرقة موارده.

«تجمع المهنيين» الذي تَأسّس في عام 2012، وكانت انطلاقته الحقيقية في عام 2016، كانت له بصمته في إطاحة النظام السابق والضغط على المكوّن العسكري في الحكومة الانتقالية، لكنه لم يطوّر أدواته في العمل الثوري ولا رؤاه السياسية بالقدْر نفسه، هل هذا صحيح؟
تجمّع المهنيين كان ولا يزال في قلب الثورة. صحيح أنه قد حدثت بعض التصدّعات خلال المسيرة، وذلك بسبب أن بعض القوى السياسية التي لعبت دور حصان طروادة، حاولت تصفية قوى الثورة ومنها تجمّع المهنيين، عندما انتُخبت قيادة جديدة للتجمع في أيار 2020، في انتخابات نزيهة وبحضور مراقبين من قوى الحرية والتغيير، إلّا أن المجلس المركزي للأخيرة رفَض القائمة الفائزة، بحجّة أن ذلك يخلّ بالتوازن داخل المجلس المركزي، بمعنى توازن القوى المتعلّق بمشروع التسوية مع العسكريين، ما اضطرّ تجمع المهنيين إلى سحب اعترافه بكلّ هياكل قوى الحرية والتغيير في تموز 2020، ومنذ ذلك الوقت لم يَعُد جزء منها، واختار الانحياز إلى الشارع والعمل مع قوى الثورة الحيّة مثل لجان المقاومة والأجسام المطلبية وخلافها. وقد طرحنا في 6 تشرين الثاني 2021 إعلاناً سياسياً، أعقبناه بميثاق سياسي في 1 كانون الثاني 2022، يتضمّن أهداف الشارع المتمثّلة في إسقاط الانقلاب، وتأسيس سلطة مدنية خالصة، واختيار رئيس وزراء من قِبَل القوى المُوقّعة على الميثاق.

لكنّ الخلافات داخل تجمع المهنيين لا تزال مستمرّة، ما أسبابها وتداعياتها على مجمل الحراك؟
هذا ليس أوان الحديث عن الخلافات، لدينا قضايا أكبر، لكن بشكل عام ليست هناك انقسامات، يوجد تجمع مهنيين واحد، هو الذي أتحدث أنا باسمه الآن، وقيادته منتخبة منذ أيار 2020، وإن كان المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير رفَضها كما أشرت إليك سلفاً. وهناك تجمع مهنيين آخر، داعم للانقلاب ويطلِق عليه «إجراءات تصحيحية»، وهذا ابتدعه الانقلابيون في محاولة للتشويش على الشارع الذي يعرف تماماً مَن هو تجمع المهنيين الحقيقي.

المتحدّث باسم «تجمّع المهنيين السودانيين»