تقرير مؤسسة «راند» الأميركية بعنوان «تهديد مستمر: تطور القاعدة وباقي المجموعات الجهادية السلفية»، أعدّه لمكتب وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، «معهد بحوث الدفاع القومي» التابع للمؤسسة. المكتب، كما المؤسسة الممولة من «الكونغرس»، يعمل برعاية مكتب وزير الدفاع الأميركي والقوات البحرية ووكالات الدفاع واستخبارات الجيش وغيرها.
التقرير الأميركي الذي اعتمد على عمل استخباري ـ ميداني تناول حركة نمو السلفية ـ الجهادية في العالم، والمعطيات قادته تلقائياً الى سوريا، لكونها تعدّ الآن «الملجأ الأبرز للمجموعات السلفية الجهادية في منطقة شرق البحر المتوسط».
وفي معطيات التقرير (المؤلف من حوالى ١٠٠ صفحة) أنّ عدد المجموعات السلفية الجهادية زاد بنسبة ٥٨٪ من عام ٢٠١٠ حتى ٢٠١٣، ومثلت ليبيا الملاذ الأكثر نشاطاً لها في شمال أفريقيا، وسوريا «الجاذب الوحيد والأهمّ لمقاتليها».
اختار السلفيون الجهاديون، وعلى رأسهم «القاعدة»، أن يحاربوا «العدو القريب» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأبقوا عملياتهم خارج أراضي الغرب أو «العدو البعيد». نسبة الهجمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغت ٩٩٪ خلال عام ٢٠١٣، وهي أعلى نسبة سجّلت في تاريخ تلك المجموعات. ولسوريا الحصّة الأكبر من تلك العمليات.
وفيما يعدّد التقرير أبرز المجموعات السلفية الجهادية المقاتلة في سوريا، ويتابع تطوّر قدراتها عتاداً وعديداً، يسرد معدّوه أيضاً كيفية حصول الانشقاقات بين «القاعدة» (أيمن الظواهري) و«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (البغدادي) و«جبهة النصرة» (أبو محمد الجولاني) والنزاعات التي نشأت بين مختلف تلك المجموعات، لكن يبقى الثابت هنا، أن تلك المجموعات البارزة زادت من قدراتها التسلّحية والمادية والقتالية، وتوسّعت رقعة الأماكن التي تسيطر عليها داخل سوريا. ومن بينها يركّز التقرير على «داعش»، و«جبهة النصرة». فـ«داعش» استولت على عدد كبير من أسلحة الثوار والمجموعات المقاتلة التي تنازعت معها، و«النصرة» تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة المختلفة، ما جعلها «أحد أكثر فروع القاعدة تسلّحاً في العالم». وهي، بحسب التقرير، «ليست مجرّد مجموعة مقاتلين من هنا وهناك، بل بمثابة جيش صغير».

عدد المجموعات السلفية الجهادية زاد بنسبة ٥٨٪ من عام ٢٠١٠ حتى ٢٠١٣

لكن تقرير «راند» لا يوضح كيف تتلقّى تلك المجموعات تمويلها، وما هي طبيعة الدعم من الخارج، ويكتفي بذكر «مصادر تمويلية من دول خليجية وشرق أوسطية». ثم يصف لاحقاً تلك «المصادر الممولة» بأنها تدعم المجموعات على أساس «طائفي ومذهبي» في الصراع السنّي ــــ الشيعي في المنطقة. أما عن الدول، فيشير إلى أن «تركيا والاردن ودولا خليجية عدة قدّمت الدعم إلى مجموعات مقاتلة في سوريا، لكن من غير السلفيين الجهاديين».
من جهة أخرى، ينشر التقرير مجموعة خرائط وجداول تبيّن كيف تطوّر عدد المجموعات السلفية في سوريا، وما أبرز أماكن انتشارها وميادين عملياتها. وهي تشير كلّها الى ارتفاع ملحوظ وتاريخي في النشاط القتالي في سوريا بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٣ مقارنة بهجمات معدودة في مصر والقوقاز.
وبينما يركّز هدف «داعش» و«النصرة» على إقامة إمارات إسلامية في العراق وسوريا والبلدان المجاورة، إلا أن القدرات المتعاظمة لـ«النصرة»، مثلاً، تجعلها تمثل تهديداً للولايات المتحدة ومصالحها في الخارج، إذ يشير التقرير إلى قدرة «جبهة النصرة» على تجنيد مقاتلين أجانب من خلال شبكات في أوروبا ومناطق أخرى، وخبرتها الطويلة في صنع المتفجرات، ما يجعلها قادرة على التخطيط والإعداد وتنفيذ هجمات ضد الغرب.
وهنا يشير التقرير إلى أنّ أكثر من ١٠ آلاف مقاتل أجنبي جاؤوا إلى سوريا للقتال فيها. حوالى ١٥٠٠ منهم جاؤوا من أوروبا (بلجيكا، فرنسا والسويد...).

أسباب نمو السلفية الجهادية

يسرد التقرير بعض الأسباب المتعلقة بمعتقدات تلك المجموعات، التي تدفعها إلى غزو مناطق أكثر، لكنه يلفت أيضاً إلى سبب «أساسي» آخر وهو ضعف الحكم في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام ٢٠١٠. استقرار دول تلك المنطقة انخفض بنسبة ١٧٪ بين ٢٠١٠ و٢٠١٢، فاعلية الحكومات بنسبة ١٠٪، سلطة القانون بنسبة ٦٪ والسيطرة على الفساد بنسبة ٦٪.
سلطة القانون انخفضت في سوريا مثلاً بنسبة ٦١٪ بين عامي ٢٠١٠ و٢٠١٢ و٣١٪ في ليبيا و٣٩٪ في اليمن، لكن، برغم اختفاء الغرب عن خريطة عمليات المجموعات السلفية الجهادية في السنوات الأخيرة، تحذّر «راند» من أن خطر هؤلاء ما زال قائماً، وهو يمكن أن يهدد أمن أوروبا والولايات المتحدة في أي لحظة. وهذا الخطر يمكن أن يكون من الداخل، وأن يكون تأثيره مباشراً على الولايات المتحدة، مثل اعتداءات بوسطن عام ٢٠١٣، أو قد يهدد مصالح وحلفاء واشنطن في الخارج، لكن التقرير ركّز على عامل «لا مركزية القاعدة» وانتشارها وانقسامها كأحد الأسباب التي تسهم في إضعافها، وكخلل يجب على القوى المحاربة للإرهاب أن تستغلّه لمصلحتها.

التوصيات

في ختام تقريرها، قدّمت «راند» إلى مكتب وزير الدفاع الأميركي توصيات سمّتها «خيارات استراتيجية»، لمواجهة نموّ الحركات السلفية الجهادية. ومن بينها: التدخل العسكري المباشر لملاحقة تلك المجموعات واستهدافها أو القضاء عليها من خلال عمليات سريّة تنفذّها وكالات أميركية سرية، لكن في ذلك أخطار عديدة على الولايات المتحدة وعلى البلدان التي ستجري فيها العمليات. الخيار الثاني دعم الحكومات المعنية وتعزيز قدراتها على المواجهة، والتعاون مع دول حليفة مثل المملكة السعودية والأردن وإسرائيل، وإقامة شراكات فاعلة مع لبنان والعراق للحدّ من انتشار تلك المجموعات في منطقة الشرق الأوسط. أما في سوريا، فيقول التقرير إنّ الأمر «معقّد» لأن «نظام (الرئيس) بشار الأسد عدو لا حليف». لذا تقترح «راند» تكليف الاستخبارات الأميركية ووحدات العمليات الخاصة تنفيذ عمليات سرّية تستهدف المجموعات الناشطة في سوريا، والتعاون مع السعودية وتركيا والاردن لتحقيق ذلك، ومع المقاتلين السوريين المناهضين للسلفيين الجهاديين.

للإطلاع على التقرير أنقر هنا