وسبقت اللقاءَ بعضُ المناكفات السياسية، حيث أعادت موسكو التذكير بـ«تقصير تركيا»، فيما شدّدت دمشق على أن الوجود التركي والأميركي «غير الشرعي يقوّض جهود التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة». إلّا أن البيان الختامي، بصيغته العامة وغير المحدّدة، أعاد لململة الأوراق مرّة أخرى، مع ملاحظة الحصول على تأييد تركي للمساعي السورية والروسية في إجراء مصالحات في محافظتَي درعا ودير الزور، اعتبر البيان أنها «قد تسهم في إنجاح الجهود الرامية إلى استقرار الوضع». الاجتماع الذي جاء بعد جولة موسّعة أجراها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، لتسويق خطّته لحلّ الأزمة السورية على أساس «خطوة بخطوة»، والتي تقتضي «إجراء إصلاحات في سوريا مقابل انفتاح أميركي وأوروبي مقابل بشكل متتابع»، ناقش أيضاً هذه الخطة، من دون التوصّل إلى توافُق حولها؛ إذ اعتبرتها موسكو متعارِضة مع المسار السياسي لاجتماعات «اللجنة الدستورية»، والتي «تضع الحلّ بين أيدي السوريين أنفسهم»، بينما تَرهن رؤية بيدرسن الحلّ بطاولة مفاوضات دولية، تحاول كلّ دولة عبرها تمرير مصالحها، الأمر الذي من شأنه ترسيخ الوجود الأميركي في سوريا بدلاً من خروج القوات الأميركية، والذي تعتبره دمشق وموسكو وطهران، وحتى أنقرة، من الأولويات التي يجب تحقيقها للوصول إلى تسوية.
كذلك، خَلُص اللقاء إلى ضرورة تفعيل مسار عمل «اللجنة الدستورية»، والتي أعلن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، أن اجتماعها السابع سيُعقد مطلع العام المقبل. وكانت الاجتماعات السابقة للجنة مُنيت بالفشل في تحقيق أيّ توافق فعلي على وضع أسس مشتركة يمكن البناء عليها، الأمر الذي اعتبره لافرنتييف ناجماً عن سلوك المعارضة، موضحاً أن «المعارضة السورية تطرح غالباً مطالب غير مقبولة، ما يعيق تحقيق التوافق (...) غالباً ما تطرح المعارضة الشروط المسبقة، ويتمّ ذلك بطريقة استفزازية في بعض الأحيان، بحيث تجبر الجانب الموالي للحكومة على اتّخاذ موقف متشدد إلى حدّ ما (...) لا يجوز إملاء الشروط، ولا يجوز طرح هذه الصيغ غير المقبولة إطلاقاً بالنسبة إلى الجانب الآخر». وترمي تصريحات لافرنتييف الكُرة في ملعب الدول الداعمة للمعارضة، ومن بينها تركيا، آملةً في تقديم هؤلاء مسودّة أكثر مرونة، يمكن أن تشكّل بداية حقيقية لعمل اللجنة.
جاء لقاء نور سلطان بعد جولة موسّعة أجراها بيدرسن لتسويق خطّته لحلّ الأزمة السورية
وتُرسي الأوضاع الحالية التي وصلت إليها مباحثات «أستانا» حالة جمود سياسي، وهو ما يستدعي تحرّكاً روسياً أكبر لإعادة إحياء هذا المسار، الذي يُعتبر وقف الأعمال القتالية وتجميد خريطة السيطرة الميدانية أبرز النتائج التي وصل إليها حتى الآن، بما خلَق مساحة لطرح أفكار ورؤى أخرى. يبدو أن موسكو، ومعها دمشق، تجدان نفسَيهما أيضاً أمام تحدّي عودة النشاط السياسي الأميركي إلى سوريا، بعد فترة فراغ أحدثتها سياسة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، ومن ثمّ الضبابية الي أحاطت بسياسة خلَفه جو بايدن. ولعلّ ذلك هو ما دفَع روسيا وإيران، ومعهما تركيا التي ترتاب في السلوك الأميركي أيضاً، خصوصاً مع استمرار تقديم الدعم لـ«قسد»، التي لا تحظى بأيّ تمثيل في عمل «اللجنة الدستورية»، إلى الاتفاق على عقد لقاء ثلاثي على مستوى وزراء الخارجية في طهران، مطلع العام المقبل، وفق ما أعلنت موسكو وطهران، يُنتظر أن يفضي إلى توافقات تعيد «هندسة» الوضع الميداني، وتمنح دفْعاً سياسياً لعمل «الدستورية».