الحسكة | يتصاعد التوتّر بين حكومة «كردستان العراق»، و«الإدارة الذاتية» الكردية في شمال شرق سوريا، في ظلّ استمرار الخلافات وتَعمّقها على خطّهما. وإذ لا تُبدي أربيل رضًى على تفرّد «حزب الاتحاد الديموقراطي» بحُكم تلك المناطق، تتّهمها «قسد» بالتواطؤ مع تركيا في استهداف مقاتلي «حزب العمال الكردستاني». كذلك، تدعم حكومة الإقليم أحزاب «المجلس الوطني الكردي» التي ترفع علم «كردستان» وصور زعيمه مسعود برزاني في سوريا، بينما تُعارض «الإدارة الذاتية» منْح هؤلاء أيّ دور في مناطق سيطرتها، وتتعمّد إفشال جلسات الحوار معهم، والتي يرعاها الأميركيون والفرنسيون، من دون الوصول إلى أيّ نتيجة إلى الآن. وعلى رغم محاولات قيادة الإقليم، أيضاً، رعاية عدّة مؤتمرات لتحقيق توافق سياسي مع «الإدارة الذاتية»، إلّا أنها فشلت في مهمّتها تلك.ولا تَعترف حكومة «كردستان»، رسمياً، بـ«قسد»، بل إنها اعتقلت لنحو أربعة أشهر، ممثّلها في أربيل، جهاد حسن، واتّهمته بممارسة أنشطة سياسية من دون تصريح، قبل أن تُرحّله إلى سوريا. كما أن أربيل، وعلى رغم دعمها مناطق «الذاتية» في عدّة مجالات وخاصّة الطبّية، إلا أنها تَعتبر هذا الدعم غير ذي طابع سياسي، كونها ترى «قسد» قاصرة عن إدارة المنطقة مُستقبلاً، فضلاً عن إرادتها عدم إثارة حساسية أنقرة التي تتمتّع معها بعلاقات اقتصادية ممتازة، وتجنّب استفزاز الحكومة السورية. وتسبَّب تعنّت «الذاتية» في إشراك أحزاب «الوطني الكردي» في حُكم المناطق الخاضعة لسيطرتها، بفتور العلاقة تدريجياً مع حكومة شمال العراق، وغياب أيّ لقاءات بين سياسيّي الطرفَين منذ عدّة سنوات. وزاد هذا الفتور بشكل واضح، بعد شنّ إعلام «قسد» حملة مكثّفة على «كردستان»، واتّهامها بالوقوف ضدّ تجربة «الذاتية» في سنجار (العراق)، بالإضافة إلى مساعدة تركيا في حربها ضدّ مقاتلي «الكريلا» التابعين لـ«العمال الكردستاني»، الذي يُعدّ الأب الروحي لـ«حزب الاتحاد الديموقراطي»، الفصيل الرئيس والمهيمن في «قسد». وبلغ التوتّر ذروته في شهر شباط من العام الفائت، عندما اندلعت مواجهات بين عناصر من الطرفَين، في منطقة السحيلية المتاخمة لـ«معبر سيمالكا» بين سوريا والعراق، وأدّت إلى سقوط ضحايا ومصابين، وإغلاق المعبر. وهو ما تكرّر مرّة أخرى، إثر هجوم القوات التركية على «الكريلا» المتواجدين في الجبال المطلّة على زاخو ودهوك، والذي أعقبه تدخّل «البشمركة»، واندلاع مواجهة محدودة مع «العمال»، أدّت لاحقاً إلى احتجاجات لمناصري «الذاتية»، تمّ الردّ عليها بإغلاق «سيمالكا» مجدّداً.
فرضت «كردستان» شروطاً قاسية على الراغبين في عبور الحدود مِن وإلى مناطق «قسد»


وفي أعقاب تلك التطوّرات، فرضت «كردستان» شروطاً قاسية على الراغبين في عبور الحدود مِن والى مناطق «قسد»، لضمان عدم تنقّل المقاتلين، مع إصدار تعليمات بمنْع قيادات «قسد» و«مسد» أيضاً من المرور عبر أراضي الإقليم، وتعطيل إقاماتهم، وهو ما تسبّب بتأخّر زيارة الوفد الكردي لموسكو، الشهر الفائت. وحاولت «الإدارة الذاتية» الضغط على حكومة أربيل لتغيير سياساتها تلك، عبر نصْب خِيَم اعتصام وتنظيم مسيرة لأهالي عناصر «الكريلا» السوريين الذين قُتلوا أخيراً في جبال قنديل في مواجهات مع الأتراك، بهدف السماح لهم بعبور الحدود وتسلّم جثامين أبنائهم، لكن ذلك أدّى إلى اندلاع مواجهات عند «معبر سيمالكا»، دفعت «كردستان» إلى إغلاقه مجدّداً. ولم تكتفِ أربيل، هذه المرّة، بإغلاق «سيمالكا» فقط، بل أغلقت أيضاً «معبر الوليد» التجاري، الذي كان يُستخدم كبديل لـ«معبر اليعربية» الرسمي المُغلَق منذ سنوات، ما يُنذر بأزمة اقتصادية في مناطق سيطرة «قسد». وغاب أيّ إعلان رسمي من قِبَل حكومة الإقليم حول إغلاق المعبرَين، كونها - على الأرجح - لا تريد منحهما صبغة رسمية، فيما عقد المسؤول في «الإدارة العامة للمعابر في شمال شرق سوريا»، رودي محمد أمين، مؤتمراً صحافياً في «سيمالكا»، أكد فيه أن «مسؤولي الحزب الديموقراطي الكردستاني أغلقوا معبر فيش خابور (سيمالكا) ومعبر الوليد، من دون إخطارهم بقرار الإغلاق».
ويرى الأكاديمي الكردي، فريد سعدون، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأمور لم تكن يوماً طبيعية على معبر سيمالكا، إنما استمرّت حكومة كردستان العراق بفتح المعبر، ليكون منفذاً للحالات الإنسانية، ولضمان تقديم الدعم لشعب المنطقة، وخصوصاً مناصريهم في سوريا»، معتبراً أن «فتح سيمالكا هذه المرّة يبدو صعباً، خاصة مع إغلاق معبر الوليد التجاري أيضاً، لتجاوُز الأمور الخطوط الحمراء لدى أربيل». ويبيّن سعدون أن «ما حصل من اعتداء الشبيبة الثورية (التابعين للإدارة الذاتية) على البشمركة في المعبر، تَعتبره حكومة الإقليم اعتداءً على سيادتها، لكون المعبر يُعدّ حدّاً دولياً فاصلاً بين سوريا والعراق على الأقلّ»، مضيفاً أن «أربيل ترى أنها إذا تسامحت مع الاعتداء، فهذا سيحرّض حتماً على اعتداءات على مناطق جديدة». ولا ينفي سعدون إمكانية فتح المعابر الحدودية مجدّداً، في حال وجود ضغط دولي وخاصة أميركي على الطرفين، لكن «على أن يكون ذلك بتفاهمات وشروط جديدة، وهو ما لن يتمّ على الأقلّ حتى بداية العام الجديد».