مقالات مرتبطة
-
شتاء «المعجزة التركية» انهيار بلا قاع محمد نور الدين
تُعتبر مخيمات النازحين المنتشرة قرب الحدود التركية الأكثر تضرّراً
ولم تَظهر التبعات الاقتصادية للتحوّلات التي شهدها الشمال السوري، بشكل مباشر، وإنّما تراكمت باطّراد لتَظهر فجأة مع أوّل تراجع في الاقتصاد التركي، حيث ارتفعت أسعار المشتقات النفطية ستّ مرّات خلال أقلّ من شهرَين، قبل أن تقوم «هيئة تحرير الشام» بتسعيره بالدولار بشكل مباشر، عامدةً إلى تعليق لوحات إلكترونية تتابع سعر الصرف بشكل لحظي. كذلك، ارتفعت أسعار الخبز بشكل كبير، كما ظهرت اختناقات في تأمين المادة في ظلّ أزمة الوقود والدقيق التي ضربت تلك المناطق، لتتضاعف الأسعار مرّات عدة. وعلى الرغم من تراجُع قيمة الليرة التركية بشكل كبير، وملامستها عتبة الـ17 ليرة مقابل الدولار، لم تطرأ على الأجور أيّ تعديلات حقيقية، باستثناء بعض التعديلات الصغيرة التي جاءت مدفوعة بتظاهرات وإضرابات في مناطق وقطاعات عدة، بينها مثلاً قطاع التعليم الذي شهد إضراباً انتهى برفع الأجور بنحو 30%. أيضاً، ظهرت آثار الاضطراب الاقتصادي على الأسواق، حيث أُغلقت معظم المحلّات، وتوقّفت الأنشطة التجارية، فيما أصبحت الزراعة غير مجدية اقتصادياً في ظلّ ارتفاع أسعار المحروقات وصعوبة تأمين البذار والأسمدة وارتفاع تكاليفها أيضاً.
وإضافة إلى الأزمات المعيشية الكبيرة التي تشهدها مناطق سيطرة الفصائل، تُعتبر مخيمات النازحين المنتشرة قرب الحدود التركية الأكثر تضرّراً، في ظلّ تحكُّم أنقرة، والمجموعات التابعة لها، بعمل المنظّمات الإنسانية، واعتماد الليرة التركية في تقديم المساعدات، وانعدام فرص العمل، الأمر الذي وضع مئات آلاف السوريين، الذين يعيشون في مخيّمات لا تتوافر فيها ظروف الحياة الإنسانية، على حافة الانهيار. ودفعت الظروف الحالية البعض إلى العودة للتعامل بالليرة السورية، والتسعير بالدولار الذي يسجّل شحّاً كبيراً، في ظلّ عمليات التحويل الكبيرة التي قام بها المقتدرون.
وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، وارتباط مناطق الشمال السوري بالاقتصاد التركي، نتيجة خطط وضعتها ونفّذتها أنقرة، لا تبدي الحكومة التركية أيّ ردود فعل تجاه تلك الأزمات، لتترك الفصائل التي تسيطر على المناطق المذكورة أمام مسؤولية التعامل معها، ما خلق بدوره أزمات جديدة في ظلّ عدم توافر مقومات حقيقية للاقتصاد. ويؤكد ذلك تقرير للأمم المتحدة أصدرته في نهاية شهر آب الماضي، يفيد بأن «91 في المئة من السكان العاملين في شمال غربي سوريا هم من أسر تعيش فقراً مدقعاً، ما يؤشّر إلى ضعف وضع الاقتصاد المحلي»، خصوصاً أن الفصائل التابعة لتركيا هناك عملت، ولا تزال، على زيادة ثروتها، الأمر الذي يضع الشمال السوري أمام كارثة إنسانية كبيرة، ربّما تُعتبر الظروف الحالية، على قساوتها، مجرّد بداية لها.