«سوريا في حالة حرب، لكن السوريين انتخبوا»، «على وقع دويّ القنابل توجّه السوريون إلى مراكز الاقتراع»، «البعض اقترع بدمه»، «المشهد سوريالي فعلاً»... هكذا استسلم الإعلام الغربي لصدمته. قبل يومين فقط، كان الإعلام السائد في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا يستكمل حملته السياسية في التسويق لرفض أي انتخابات تجرى في سوريا والتعويل على دعوة المعارضة لمقاطعتها.
لكن الصور الآتية من دمشق وحمص واللاذقية في اليومين الماضيين أجبرت بعضهم على تغيير النبرة. اضطرّ معظم الإعلام الغربي إلى الاعتراف بوجود مواطنين سوريين مارسوا حقّهم في الانتخاب لأوّل مرة... واختاروا بشار الأسد. قبل الرئاسة، ربح الأسد أمس معركة الإعلام.
مراسل «بي بي سي» البريطانية جيريمي بوين كان ينقل الصورة «من داخل مركز اقتراع في دمشق»: «البعض رفض أن يقترع خلف الستار وأصرّوا على إشهار خيارهم بانتخاب بشار الأسد». «هي فرصة لإظهار آلاف السوريين تأييدهم للأسد» قالت «بي بي سي»، ولفت بوين إلى أنّ «توقيت الانتخابات يعكس ثقة جديدة بنظام الأسد بعد تحقيق انتصارات عسكرية بارزة أخيراً».
وكالة «أسوشييتد برس» كانت أيضاً في الميدان الانتخابي
السوري، ونقلت عنها معظم المؤسسات الإعلامية الأميركية. مراسلا الوكالة وصفا المشهد الانتخابي في العاصمة دمشق بين مختلف مراكز الاقتراع، وكتبا: «لوّح الناخبون السوريون بالأعلام ورقصوا حاملين صور الأسد»، وبعض المقترعين «وخزوا أصابعهم بالدبابيس، التي تأمّنت في المراكز، للدلالة على تأييدهم الكامل للأسد». خبر الوكالة يخلص الى القول: «جدد آلاف السوريين تأييدهم للأسد في انتخابات وصفتها المعارضة بالكاذبة». «في دمشق واللاذقية، عملية الاقتراع كانت أشبه بمهرجان شعبي واحتفال غنائي راقص بالأسد. وفي حمص، اصطفت طوابير طويلة من المقترعين أمام المراكز»، تابع المقال وصفه الميداني، لافتاً إلى «سوريالية» المشهد الانتخابي على وقع الانفجارات.
صور المقترعين في دمشق وفي كنيسة أم الزنّار في حمص عرضتها شبكة «سي إن إن» الأميركية إلى جانب صور من حلب ومخيم الزعتري لأشخاص يهزأون من العملية الانتخابية. «سي إن إن» ذكّرت بأن «سوريا ليست معروفة بانتخاباتها الحرّة والنزيهة»، لكن مشاهد المقترعين الاحتفالية تنقّلت بين مختلف وسائل الإعلام الغربية تحت عنوان «السوريون يصطفون للاقتراع».
«رغم الحرب الأهلية الدامية لم يحل شيء دون إجراء الانتخابات في سوريا»، علّق مراسل مجلة «تايم»في تقرير نشر على موقع المجلة.
ورغم تركيز الصحافيين في معظم مقالاتهم على أن الانتخابات «جرت فقط في المناطق التي تخضع لسلطة النظام»، لم يعلّق أحد منهم على منع «قوات المعارضة» المواطنين من الانتخاب في المناطق التي يسيطرون عليها. لم يستغرب أحد الجملة غير المنطقية وفق القاموس الغربي التي نقلها خبر «أسوشييتد برس» عن أحد الناشطين المعارضين في الرستن قائلاً: «لا انتخابات هنا، هذه منطقة حرّة محرّرة»!
صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية نقلت عن أحد المقاتلين المعارضين في إدلب قوله إن «أقرباءه في مناطق أخرى سينتخبون خشية من الملاحقة أو التوقيف». لكن الصحيفة شرحت أن «الخوف» ليس السبب الأوحد الذي دفع السوريين الى الانتخاب، فعدد كبير من المواطنين «أرادوا تسجيل موقف ضد المعارضة والتعبير عن استيائهم منها ومن أدائها، وخصوصاً بعدما باتت تسيطر عليها مجموعات إسلامية متطرفة؛ من بينها تنظيم القاعدة».
وفي التحليلات السياسية التي واكبت الصور الآتية من الشارع السوري، حسم مقال «ذي واشنطن بوست» الأميركية بأنّ «السوريين انتخبوا فمنحوا الأسد قوة أكثر للإمساك بالسلطة، وبيّنوا فشل سياسة الولايات المتحدة الرامية الى إجباره على التنحي».
افتتاحية "ذي غارديان"، أسفت، أيضاً لحصول تلك الانتخابات التي «ستسمح للسلطات في دمشق بتقديمها كدليل على ممارسة الديموقراطية رغم الأزمة». تلك الانتخابات التي تقول أيضاً: «لقد بقينا على قيد الحياة وها نحن ننتصر»، تضيف الافتتاحية وتشرح أنّ الأمر «ليس إلا تراكماً لسلسلة من الفشل بالنسبة للأسد ولسوريا وللقوى الإقليمية وللدول الغربية».
«الشيء الوحيد الذي تريده الأغلبية الساحقة من السوريين، أي السلام، لم يكن موجوداً على ورقة الاقتراع»، تختم افتتاحية «غارديان».