جنين | ما دأب المسؤولون العسكريون والأمنيون الإسرائيليون على التحذير منه طيلة الفترة الماضية، من وجود ما يُسمّونه «موجة إرهاب» في الضفّة الغربية والقدس المحتلّتَين، تَتتابَع الوقائع المؤكّدة صحّته، وآخرها عملية «حومش»، التي تكمن خطورتها في كونها جماعية وليست فردية، ما يعني إمكانية انتقال الفعل المقاوم إلى مستوىً أعلى من التنظيم والتخطيط، في ظلّ فشل استخباري إسرائيلي متواصل في التوقّع والتدارك. ومع توافر الحافزية الدائمة لدى الفلسطينيين لتنفيذ عمليات ضدّ جنود العدو ومستوطِنيه، تجد تل أبيب نفسها أمام تحدٍّ غير سهل، سيكون عليها «ابتداع» حلول في مواجهته، خصوصاً في ظلّ بُطلان عقيدة «تدفيع الثمن» التي اتّبعتها سابقاً
كمينٌ خطير ومحكَم، هجومٌ صعب، ليس مجرّد إطلاق نار عابر... تلك بعضٌ من أبرز التعابير التي استعملها قادة سياسيون وعسكريون إسرائيليون لتوصيف العملية الفدائية التي وقعت ليل أمس، على الطريق بين نابلس وجنين شمال الضفة الغربية المحتلّة، في ظلّ حملة ملاحقة تشنّها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ضدّ فعّاليات إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين لانطلاق حركة «حماس»، ومواكب استقبال الأسرى المحرَّرين بـ«الرايات الخضراء». ووسْط انشغال جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك»، وأمن السلطة، بملاحقة نشطاء العمل الطالبي في «جامعة بيرزيت» ورايات «حماس»، تعرّض المستوطنون، ومعهم «الأمن الإسرائيلي»، لـ«ضربة قاسية وخاطفة»، بعملية إطلاق نار أدّت إلى مقتل مستوطن وإصابة اثنَين آخرين قرب مستوطنة «حومش».
وروى أحد المستوطنين المصابين تفاصيل العملية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، بقوله إنه خرج مع ثلاثة آخرين من المدرسة الدينية في «حومش» نحو مستوطنة «شافي شمرون»، ثمّ ما لبثوا أن تَعرّضوا لصلْية رصاص قصيرة، تلتها زخّة أكبر، مضيفاً أن المركبة أكملت سيْرها بسرعة بعد مقتل أحدهم برصاصة في رقبته، وعند وصولها مدخل «شافي شمرون» تلقّى الركّاب الإسعاف. من جهتها، أوضحت وسائل إعلام إسرائيلية أن منفّذي العملية نصبوا كميناً لمركبة المستوطنين، وتمركزوا بين الأشجار وأطلقوا النار على المركبة من هناك، ثمّ انسحبوا من المكان. ووصف قائد جيش العدو في الضفة الغربية، بدوره، الحادثة، بأنها «لم تكن مجرّد إطلاق نار عابر، بل هي كمين مدبّر للمستوطنين فور مغادرتهم المستوطنة»، فيما وصف وزير الأمن الداخلي، عومير بارليف، الواقعة بأنها «هجوم صعب، والإرهاب الفلسطيني يرفع رأسه مجدّداً». وفي أعقاب العملية الفدائية، شنّ المستوطنون هجمة واسعة ضدّ مركبات الفلسطينيين ومنازلهم في عدّة مناطق جنوب نابلس وشمال غربها، خصوصاً عند مدخل قرية برقة، وطريق مستوطنة «يتسهار». وفي سابقة خطيرة، اقتحم مستوطنون منزل عائلة فلسطينية على أطراف قرية قريوت، وحطّموا مركبات عائدة إلى العائلة، وحاولوا خطف فلسطيني من داخل منزله، لكنهم فشلوا وأصابوه بجروح. وردّ أهالي قرية برقة على هجوم المستوطنين الذي استهدف أكثر من 25 منزلاً، بإشعال مواجهات عنيفة مع جيش العدو الإسرائيلي، وبتظاهرة على مدخل القرية، التي تُعدّ أقرب تجمّع فلسطيني إلى مكان وقوع العملية.
تأتي العملية الأخيرة بعد سلسلة تحذيرات من تصاعُد عمليات المقاومة ضدّ أهداف إسرائيلية


ويقول محلّلون، لـ«الأخبار»، إن واقعة ليل الجمعة تحمل دلالات كثيرة وكبيرة، ليس في التوقيت فقط، بل أيضاً في المكان والتاريخ؛ إذ إنها وقعت قرب مستوطنة «حومش» التي أخلاها الإسرائيليون عام 2005 مع الانسحاب من قطاع غزة، بسبب كثافة عمليات المقاومة خلال انتفاضة الأقصى في المنطقة التي تقع بين محافظتَي نابلس وجنين. لكنّ المستوطنين حاولوا مراراً العودة إلى المستوطنة، التي تحوَّلت إلى معقل تتركّز فيه هجماتهم بالحجارة على المركبات الفلسطينية. وفي وقت لاحق، أصبحوا يتردّدون على «حومش» تحت ستار «معهد ديني»، من دون أن يقطنوه كما كان الحال إبّان انتفاضة الأقصى وما قبلها. وبحسب مصدر تحدّث إلى «الأخبار»، فإن مركبات المستوطنين هناك تعرّضت لإطلاق نار عدّة مرّات خلال معركة «سيف القدس»، لكن من دون وقوع إصابات في صفوفهم.
وتأتي العملية الأخيرة على طريق نابلس - جنين، في ظلّ طغيان أزمات داخلية فلسطينية على المشهد، أبرزها: تصاعد العنف والشجارات، إضافة إلى حملة ملاحقة مزدوجة تنفّذها أجهزة أمن السلطة وقوات جيش العدو ضدّ نشطاء وكوادر في فصائل مختلفة، خاصة نشطاء الكتل الطالبية في الجامعات الفلسطينية، فضلاً عن استمرار تداعيات مقتل الناشط نزار بنات. كما تجيء الحادثة بعد سلسلة تحذيرات من تصاعُد عمليات المقاومة ضدّ أهداف إسرائيلية، في ظلّ فشل الأمن الإسرائيلي في التنبّؤ بها أو إحباطها، وهو ما تَكرّر في عملية «حومش»، حيث تُرك المستوطنون من دون حماية عسكرية على رغم كون المنطقة «بؤرة ساخنة». وبحسب «القناة الـ14» العبرية، فقد قُتل مستوطنان في عمليّتَي إطلاق نار، وأصيب 12 آخرون في عملية دهس و4 عمليات طعن، خلال أقلّ من شهر في الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين.
ظاهرة المطارَدين
تُعدّ مدينة نابلس وبلدتها القديمة موئلاً للعديد من المقاومين المسلّحين المطلوبين لجيش العدو الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، يفيد مصدر مطّلع، «الأخبار»، بأن عدّة شبّان مسلّحين مطلوبون للتصفية والاغتيال، وقد بدأت مطاردتهم عقب خروجهم ببيانات عسكرية خلال معركة «سيف القدس»، وتزامناً مع عملية «نفق الحرية» وهروب الأسرى الستّة من سجن جلبوع، مضيفةً أن العدو استطاع اعتقال بعضهم، لكنّ البقيّة لا يزالون طلقاء، علماً أن معظمهم ينتمون إلى جناح عسكري محسوب على حركة «فتح»، وهو «كتائب شهداء الأقصى - مجموعات فهود الكتائب»، ومن أبرز هؤلاء محمد دخيل، وأدهم مبروكة المُلقَّب بـ«الشيشاني». ووسط الأسبوع الماضي، تعرّض حاجز حوارة العسكري لإطلاق نار على مدار يومَين متتاليَين، بعد تشييع الشهيد جميل الكيال الذي ارتقى في نابلس. وقبلها بعدّة أشهر، تصاعَدت عمليات إطلاق النار نحو نقطة مراقبة إسرائيلية على جبل جرزيم في نابلس، فيما شهدت مدينة نابلس اشتباكَين مسلّحَين خلال أقلّ من شهر، أوّلهما خلال عملية اعتقال المطارَد عبد الحكيم شاهين، وثانيهما خلال العملية الإسرائيلية التي استُشهد فيها جميل الكيال واعتُقل الشاب أمير الحاج داود.