تونس | خاطب الرئيس التونسي، قيس سعيد، مواطنيه في بثّ طويل مباشر ليل الاثنين - الثلاثاء، في أعقاب جلسة لمجلس الوزراء صادق خلالها على جملة من المراسيم، من بينها مرسوم «الصُلح الجزائي». وعاد سعيد، في خطابه، إلى الحديث مجدّداً عن «أعداء الوطن والشعب والثورة»، الذين لطالما خاطبهم في كلماته مهما اختلفت المناسبات. كما عاد في خطابه إلى قرارات 25 تموز، مؤكداً أنه «اتّخذها وحده»، في ردّ على من «ادّعوا مساندته»، لينتقد سعيد هذه المرّة «معارضيه ومؤيّديه» على حدّ سواء. وأنهى الرئيس، أخيراً، الغموض الزمني الذي حفّ بإجراءاته، معلِناً سقفاً للوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد، واختار في ذلك تواريخ رمزية؛ إذ سيتواصل تجميد عمل المجلس النيابي إلى حين تنظيم انتخابات جديدة بعد عام، وتحديداً في 17 كانون الأول 2022، الذي يمثّل «عيد الثورة»، فيما ستُنظَّم استشارات مباشرة «مع الشعب» حول الدستور، في الداخل والخارج، ابتداءً من الأوّل من كانون الثاني المقبل، وحتى الـ20 من آذار 2022، على أن يليها استفتاء شعبي في 25 تموز 2022.ولم يُشِر سعيد، في خطابه، إلى الجهة التي ستتولّى تنظيم الاستفتاء الذي ينوي إطلاقه، أو الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، علماً أن «الهيئة المستقلّة للانتخابات»، التي أُنشئت بعد انتفاضة 2011 وتولّت تنظيم كلّ الاستحقاقات التي أعقبت ذلك التاريخ، لم تُحَلّ بموجب إجراءات 25 تموز. إلّا أن سعيد تحدّث عن ضرورة القيام بـ»عدد من الإصلاحات الأخرى التي تتعلّق بتنظيم الانتخابات وبكيفية الإشراف عليها، بعيداً من أيّ تدخّل من أيّ جهة كانت». أمّا ‹›الصُلح الجزائي››، الذي تمّت المصادقة على مرسومه وأعلنه سعيد في كلمته، فلا يزال غامضاً إلى اليوم، ولا معلومات عنه سوى وثيقة مسرَّبة منذ سنة تضمّنت الخطوط الكبرى لهذا المشروع، الذي يهدف إلى استرداد الأموال المنهوبة من رجال الأعمال، واستغلالها ‹›في المحافظات الأفقر››.

دستور جديد
قبل أيّام، استقبل سعيد ثُلّة من أساتذة وخبراء القانون الدستوري، المعروفين بمساندتهم إجراءات 25 تموز وما بعدها، والذين كلّفهم الرئيس بتكوين لجنة خبراء لصياغة دستور جديد للبلاد، سيُعرض على الاستفتاء. وأعلن أستاذ القانون الدستوري، أمين محفوظ، أحد الذين التقاهم سعيد، أن اللقاء أسفر عن «الاتفاق على تكوين لجنة خبراء دستوريين تعمل على صياغة دستور جديد بدلاً من دستور 2014». وقال محفوظ، في تصريح إذاعي، إن «رئيس الدولة، وأمام استفحال الأزمة الدستورية، تَوجّه إلى الخيار الديموقراطي، وهو العودة إلى الشعب». وأضاف: «بصفة الرئيس منتخَباً، فقد اختار تكوين لجنة خبراء موسّعة تضمّ حتى المنتقدين لمسار 25 جويلية، وهي التي ستقوم بصياغة دستور... الرئيس رأى أنه، إلى جانب هذه اللجنة، قد يقع استقبال المقترحات عبر المنصّة الإلكترونية التي يتمّ تحضيرها»، وهو ما أكده سعيد لاحقاً في خطابه. ودافع محفوظ، متحدّثاً باسمه وباسم بقيّة خبراء القانون الذين سيكونون في لجنة الخبراء، بأن «جوهر المشروع ضمان الحقوق والحريات بشكل واضح، ومبدأ التفريق بين السلطات والتوازن بينها»، معتبراً أن من السابق لأونه الحديث عن تكييف النظام السياسي ليكون برلمانياً أو رئاسياً، متابعاً أن «الهدف هو تخليص المنظومة الدستورية من كلّ ما هو معقّد... نريد صياغة نص مبسّط، واضح، وقابل للتطبيق».
توسّعت دائرة الأطراف المناهضة لقرارات سعيد وأدائه منذ 25 تموز


ردود فعل متناقضة
ولئن حملت قرارات سعيد الجديدة السقف الزمني الذي طالبت به طويلاً القوى السياسية والمدنية، معارِضة كانت أم مؤيّدة للرئيس وإجراءاته، إلّا أن سيلاً من ردود الفعل بدأ في الظهور سويعات بعد الخطاب، في انتظار موقف «الاتحاد العام للشغل»، وإن كان أمينه العام، نور الدين الطبوبي، أكد أن الاتحاد لن يعطي «صكّاً على بياض»، بينما وصفت حركة «النهضة» خريطة الطريق التي أعلنها سعيد، بأنها «خطوة أحادية لا تُلزم سواه»، مجدّدةً رفضها «الإجراءات الانقلابية» التي أقدم عليها.
كذلك، دعا ممثّلو أحزاب «التيّار الديموقراطي» و»الحزب الجمهوري» و››التكتّل من أجل العمل والحرّيات» (أحزاب اجتماعية وسطية)، خلال مؤتمر صحافي مشترك، إلى النزول إلى شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة، للاحتجاج على ما اعتبروه «انقلاب رئيس الجمهورية››. ورأى أمين عام حزب «التكتل»، خليل الزاوية، أن قرارات سعيد «تمثّل خطراً جاثماً على الدولة ولا بدّ من مقاومته». كما وصف خطاب الرئيس بـ»المتشنّج والشعبوي»، معتبراً أن «الخريطة التي قدّمها للاستفتاء على الإصلاحات الدستورية والسياسية غير مدروسة»، وأن «الآجال لا تكفي للتعمّق في هذه الإصلاحات ومناقشتها». كما انتقد الزاوية غياب «أيّ خطّة اقتصادية ومالية للخروج من الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد»، عن كلمة سعيد.
وعمّا إذا كانت هذه الأحزاب ستدعو إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية التي أعلنها الرئيس التونسي، لفت الأمين العام لـ»التيار الديموقراطي»، غازي الشواشي، إلى أن «الحديث عن مقاطعة الانتخابات التشريعية المبكّرة في كانون الأول 2022، سابق لأوانه»، مُذكّراً بأن «الرئيس خارج الشرعية الدستورية، وتبعاً لذلك، فإن كلّ قراراته مرفوضة حتى قبل بلوغ موعد الانتخابات»، مشدّداً على أن الوصول إلى انتخابات «يكون عبر إرساء حكومة إنقاذ وطني تملك كلّ الصلاحيات... لا بحكومة فاقدة لكلّ رؤية»، في انتقاد لحكومة نجلاء بودن.
في المقابل، أعلن «حزب البعث العربي الاشتراكي» (القُطر التونسي) تأييده قرارات سعيد. وأكّد الحزب، في بيان، «مباركته لجملة هذه الإجراءات بما احتوته من تسقيف زمني، وما عبّرت عنه من إرادة واضحة وصلبة للإصلاح».

«عيد ثورة» ساخن
جاءت قرارات سعيد مفاجئة في توقيتها، حيث كان الشارع التونسي يتوقّع خطابه في «عيد الثورة» في 17 كانون الأوّل، الذي سيشهد تحرّكات ومسيرات مناهضة له. كما تأتي في وقت توسّعت دائرة الأطراف التي تعمل على التصعيد في الشارع ضدّ قرارات الرئيس، لتشمل مبادرة «مواطنون ضدّ الانقلاب»، وحركة «النهضة»، و»تنسيقية القوى الديموقراطية» التي تضمّ كلّاً من أحزاب «التيار» و»الجمهوري» و»التكتّل»، و»حراك 14/17 في محافظة سيدي بوزيد (مهْد الانتفاضة التونسية)، إلى جانب عدد من المنظّمات وهياكل المجتمع المدني وشخصيات مستقلّة. وبحسب المؤشّرات الأوّلية، فإن ما أعلنه سعيد لم يستطع امتصاص حمّى الاحتقان والرفض لأدائه منذ أشهر، ولذا تسود توقّعات بأن يكون يتّسم «عيد الثورة» هذا العام، بسخونة عالية.