غزة | لم تجد السلطة الفلسطينية غير أبناء الأسر الأشدّ فقراً في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، لـ»تزفّ» إليهم خبر عجزها عن صرف المساعدات الدورية التي كانوا يتلقّونها أربع مرّات في كلّ عام، بسبب ما وصفته بـ»الضائقة المالية التي تمرّ بها»، على رغم التزامها الشهري بصرف رواتب وعلاوات مئات الآلاف من موظفيها، والتي يكفي واحد منها لتغطية ما تتلقّاه خمس أسر فقيرة. غير أن الغريب في الأمر أن الوزير الذي يتلقّى راتباً شهرياً يؤمّن 20 أسرة من الجوع، هاجم الفقراء الذين طالبوه بحقّهم، مخاطباً إيّاهم بالقول: كفاكم تسوّلاً! أحد عشر شهراً مرّت لم تتلقّ خلالها عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة في القطاع والضفة شيكاتها الدورية من وزارة التنمية والشؤون الاجتماعية، سوى مرّة واحدة، إذ تتذرّع الأخيرة بأنها تعاني من أزمة مالية تجبرها على عدم الوفاء بالتزاماتها، علماً أن عدد هذه الأسر يبلغ 115 ألفاً، 81 ألفاً منها في غزة كان من المفترض أن تُصرَف مستحقّاتها التي تُراوح قيمتها بين 220 دولاراً و550 دولاراً على شكل شيكات بواقع مرّة كلّ ثلاثة أشهر. وعلى رغم أن تلك المبالغ بالكاد تفي بالحدّ الأدنى من حاجات المعوزين، إلّا أنها تعرّضت منذ عام 2017 لقرصنة ممنهجة، إذ قلّصت «الشؤون» دروات الصرف إلى ثلاث مرّات، وأعادت الكرّة في عامَي 2018 و2019. وفي عام 2020، لم تتلقَّ الأسر الفقيرة إعاشتها سوى مرّتَين، غير أن العام الجاري كان الأسوأ بالنسبة إليها، إذ تلقّت دفعة مالية واحدة بواقع 238 دولاراً لكلّ منها، من دون مراعاة لعدد الأفراد والواقع الاجتماعي.«لجنة المطالبة بحقوق مستفيدي الشؤون» نظّمت، قبل يومين، وقفة احتجاجية طالب المشاركون فيها الوزارة بصرف الشيكات المتأخّرة التي وصل عددها منذ عام 2017 إلى 7 شيكات. وقال صبحي المغربي، وهو مسؤول اللجنة، إن «مستفيدي الشؤون هم ضحية لسياسات المماطلة والتسويف التي تتّبعها السلطة في التعاطي مع ملفّهم، الذي شهد على مدار سنوات جملة من التقليصات الجائرة». يوضح المغربي، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «هذه المساعدات تُصرف برعاية من الاتحاد الأوروبي الذي يغطّي نسبة 40% منها، وقد أُقرّت عام 1995 بموجب برنامج الحماية الاجتماعية الذي أوصت به الجمعية العامة للأمم المتحدة (...) ولا يَمنّنَّ أحد على الأسر المستفيدة بهذا الفتات». والجدير ذكره، هنا، أن الأسر المستفيدة من شيكات «الشؤون» هي الفئات المعدَمة، حيث تصل نسبة كبار السنّ وأصحاب الأمراض المزمنة الذين لا يستطيعون العمل من بينها إلى 53%، ونسبة الأطفال المرضى 24%، فيما تتوزّع البقيّة على المطلّقات والأرامل اللواتي يتحمّلن مسؤولية عائلات توفّي معيلوها. ومنذ مطلع عام 1995، كان المستفيدون من «الشؤون» يتلقّون مخصّصاً يُصرَف على نحو شهري، قرّره قانون حماية الأسر، بواقع 616 دولاراً، لكن سياسات السلطة عملت على تقويض البرنامج الذي تغطّي 60% من موازنته من أموال المقاصّة والضرائب، لتُحوّله في عام 2010 إلى شيكات مقتطعة تُصرَف أربع مرّات في العام، بما لا يتجاوز للأسر التي يصل عدد أفرادها إلى 18 فرداً، هامش الـ550 دولاراً.
تلقّت الأُسر الأشدّ فقراً هذا العام دفعة مالية واحدة بواقع 238 دولاراً لكلّ منها


غير أن الأكثر إيذاءً من ذلك التلكّؤ، هو الهجوم الذي شنّه وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة رام الله، أحمد مجدلاني، على المستفيدين، ردّاً على مطالبتهم بصرف الدفعات السنوية وتعويض ما تمّ اقتصاصه منها خلال السنوات الماضية، إذ قال مجدلاني، في حديثه إلى إذاعة «المنارة» المحلية، «إنّنا لن نتمكّن من صرف شيكات الشؤون بسبب الضائقة المالية التي تمرّ بها السلطة». وحين طالبه أحد المستفيدين بتوزيع الموارد المالية التي تَرِد إلى موازنة السلطة على نحو يراعي حقوق الجميع، مشيراً في هذا الإطار إلى راتب الوزير الذي تُناهز قيمته الـ4 آلاف دولار شهرياً، من دون احتساب النثريات (اتصالات، بدل سكن، بدل مواصلات، بدل سفريات)، فتح الوزير النار عليه وعلى «أشباهه» قائلاً: «هؤلاء ليسوا محتاجين، كثير منهم يملك عقارات وأبنية ينتفع من إيجارها». وأردف مجدلاني: «الفقير لا يطلب ولا يدني نفسه للتسوّل بهذه الطريقة، الفقير عفيف النفس، ومن المعيب الحديث عن راتبي فهو حق لي أعمل مقابله والتسوّل ليس من شيم الرجال». ذلك، قبل أن يغلق الوزير الخطّ الهاتفي في وجه المذيع، محذّراً إياه من الاتصال به مجدّداً! هجوم مجدلاني الذي أثار عاصفة في الأوساط الشعبية وعلى مواقع التواصل، حاول مفوّض التنمية الاجتماعية في قطاع غزة، لؤي المدهون، التخفيف من حدّته، عبر الإعلان عن حزمة من المساعدات النقدية والعينية - مموَّلة من مؤسسات دولية -، من دون أن يفوته التأكيد أن شيكات «الشؤون» المتأخّرة واللاحقة، تقبع في المجهول.
إزاء ذلك، يحذر عمر صالحة، وهو خبير اقتصادي، من أن سياسات السلطة تجاه مستفيدي «الشؤون» أخذت منذ عام 2017 منحى التقليص الحادّ، فيما يتّجه الوزير مجدلاني إلى توزيع ما يتمّ تحصيله من الاتحاد الأوروبي، من دون أن تساهم السلطة في الحصة المُقرَّة عليها من مساعدات الفقراء. ويلفت صالحة، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «هذه الفئة تتعرّض لظلم كبير، وتضعها السلطة على هامش أولوياتها، وتحاول التخفّف من عبئها، على رغم أن مجمل ما تتلقّاه طوال العام، أقلّ من النثريات التي يتلقّاها موظفو السلطة في شهر واحد».